المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
500 (28) باب

صفة غسل المرأة من الحيض

[ 259 ] عن عائشة ; أن أسماء بنت شكل سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض ؟ فقال : تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر ، فتحسن الطهور . ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا ، حتى تبلغ شؤون رأسها . ثم تصب عليها الماء . ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها ، فقالت أسماء : وكيف تطهر بها ؟ فقال : سبحان الله ! تطهرين بها ، فقالت عائشة - وكأنها تخفي ذلك - : تتبعين أثر الدم . وسألته عن غسل الجنابة ؟ فقال : تأخذ ماء فتطهر ، فتحسن الطهور ، أو تبلغ الطهور . ثم تصب على رأسها فتدلكه ، حتى تبلغ شؤون رأسها ، ثم تفيض عليها الماء . فقالت عائشة : نعم النساء نساء الأنصار ! لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين .

وفي أخرى : فرصة من مسك .

رواه أحمد ( 6 \ 147 ) ، والبخاري ( 315 ) ، ومسلم ( 332 ) ، وأبو داود ( 314 - 316 ) ، والنسائي ( 1 \ 135 - 137 ) .


[ ص: 588 ] (28) ومن باب صفة غسل المرأة من الحيض

(قوله : " تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها ") السدر هنا : هو الغاسول المعروف ، وهو المتخذ من ورق شجر النبق ، وهو السدر ، وهذا التطهر الذي أمر باستعمال السدر فيه ، هو لإزالة ما عليها من نجاسة الحيض ، والغسل الثاني هو للحيض .

و (قوله : " فتدلكه دلكا شديدا ") حجة لمن رأى التدليك . فإن قيل : إنما أمر بهذا في الرأس ليعم جميع الشعر ، قلنا : وكذلك يقال في جميع البدن . فإن قيل : لو كان حكم جميع البدن حكم الرأس في هذا لبينه فيه كما بينه في الرأس ، قلنا : لا يحتاج إلى ذلك ، وقد بينه في عضو واحد . وقد فهم عنه : أن الأعضاء كلها في حكم العضو الواحد في عموم الغسل ، وإجادته وإسباغه ، فاكتفى بذلك ، والله تعالى أعلم .

و " الشؤون " : هو أصل فرق الرأس وملتقاها ، ومنها تجيء الدموع . وذكرها مبالغة في شدة الدلك ، وإيصال الماء إلى ما يخفى من الرأس .

و (قوله : " ثم تأخذ فرصة ممسكة أو من مسك ") الفرصة : صحيح الرواية [ ص: 589 ] فيها بكسر الفاء وفتح الصاد المهملة ، وهي القطعة من الشيء ، وهي مأخوذة من الفرص ، وهو : القطع ، والمفرص والمفراص : الذي تقطع به الفضة ، وقد يكون الفرص الشق . يقال : فرصت النعل ; أي : شققت أذنيها .

وأما " ممسكة " : فروايتنا فيها بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد السين ، ومعناه : مطيبة بالمسك ، مبالغة في نفي ما يكره من ريح الدم ، وعلى هذا تصح رواية الخشني عن الطبري : " فرصة من مسك " بكسر الميم ، وعلى هذا الذي ذكرناه أكثر الشارحين ، وقد أنكر ابن قتيبة هذا كله ، وقال : إنما هو " فرضة " بضم الفاء وبالضاد المعجمة ، وقال : لم يكن للقوم وسع في المال بحيث يستعملون الطيب في مثل هذا ، وإنما هو مسك ، بفتح الميم ، ومعناه : الإمساك ، فإن قالوا : إنما سمع رباعيا ، والمصدر إمساك ، قيل : سمع أيضا ثلاثيا ، فيكون مصدره مسكا .

قال الشيخ : لقد أحسن من قال في ابن قتيبة : هجوم ولاج على ما لا يحسن ، ها هو قد أنكر ما صح من الرواية في فرصة ، وجهل ما صحح نقله أئمة اللغة ، واختار ما لا يلتئم الكلام معه ، فإنه لا يصح أن يقال : خذ قطعة من إمساك ، وسوى بين الصحابة كلهم في الفقر وسوء الحال ، بحيث لا يقدرون على استعمال مسك عند التطهر والتنظف ، مع أن المعلوم من أحوال أهل الحجاز واليمن مبالغتهم في استعمال الطيب من المسك وغيره ، وإكثارهم من ذلك ، واعتيادهم له ، فلا يلتفت لإنكاره ، ولا يعرج على قوله .

[ ص: 590 ] وأما " فرصة من مسك " فالمشهور فيه أنه بفتح الميم ، ويراد به الجلد ; أي : قطعة منه . قال الخطابي : تقديره : قطعة من جلد عليها صوف ، وقال أبو الحسن بن سراج : في " ممسكة " مجلدة ; أي : قطعة صوف لها جلد ، وهو المسك ليكون أضبط لها ، وأمكن لمسح أثر الدم به ، قال : وهذا مثل قوله : " فرصة مسك " .

وقال القتبي : معنى " ممسكة " : محتملة يحتشى بها ; أي : خذي قطعة من صوف أو قطن فاحتمليها وامسكيها لتدفع الدم ، وأظنه أنه قال لها : " ممسكة " بضم الأولى وتسكين الثانية وتخفيف السين مفتوحة ، وقيل فيها : " ممسكة " بكسر السين ، اسم فاعل من أمسك ، كما قال في الحديث الآخر : " أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ") أي : القطن . والأقرب والأليق القول الأول ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية