المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5347 (17) ومن سورة الفرقان

[ 2895 ] عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية بمكة : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله : مهانا [ الفرقان : 68 - 69 ] فقال المشركون : وما يغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله وقتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش ؟ فأنزل الله تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا إلى آخر الآية [ الفرقان : 70 ] .

قال : فأما من دخل في الإسلام وعقله ثم قتل فلا توبة له .

رواه مسلم (3023) (19) .


[ ص: 382 ] (17) ومن سورة الفرقان

(قوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر . . .) الآيتين [ الفرقان : 68 - 69 ] - هذه الآية معطوفة على ما قبلها من الأوصاف التي وصف بها عباد الرحمن ، وهو من باب عطف الصفات بعضها على بعض ، وكذلك ما بعد هذه الآية من الآيات معطوف بعضها على بعض ، والكل معطوف على قوله : الذين يمشون على الأرض هونا إلى أن قال : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا إلى قوله : ومقاما [ الفرقان : 75 - 76 ] وهذه الجملة هي خبر المبتدأ الذي هو : وعباد الرحمن [ الفرقان : 63 ] وما بين المبتدأ والخبر أوصاف لهم وما تعلق بها ، وقد تضمنت هذه الآية مدح من لم تقع منه هذه الفواحش الثلاث التي هي : الشرك بالله ، والقتل - العدوان ، والزنى . وذم من وقعت منه ، ومضاعفة العذاب عليه ، وهي محمولة على ظاهرها عند الجمهور ، وعليه فيكون معنى قوله : إلا بالحق أي : بأمر موجب للقتل شرعا . وذلك الأمر هو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، أو قتل نفس بغير نفس " . وقد صرف هذه الآية عن ظاهرها بعض [ ص: 383 ] أهل المعاني فقال : لا يليق بمن أضافهم الرحمن إليه إضافة الاختصاص ووصفهم بما ذكرهم من صفات المعرفة والتشريف، وقوع هذه الأمور القبيحة منهم حتى يمدحوا بنفيها ; لأنهم أعلى وأشرف . فقال : معناها لا يدعون الهوى إلها ، ولا يذلون أنفسهم بالمعاصي فيكون قتلا لها . ومعنى إلا بالحق أي : إلا بسكين الصبر وسيف المجاهدة ، ولا ينظرون إلى نساء ليست لهم بمحرم بشهوة فيكون سفاحا ، بل بالضرورة فيكون كالنكاح مباحا .

قلت : وهذا كلام رائق ، غير أنه عند السبر مائق ، وهي نبعة باطنية ونزعة باطلية ، وإنما يصح تشريف عباد الرحمن باختصاص الإضافة بعد أن تحلوا بتلك الصفات الحميدة وتخلوا عن نقائض ذلك من الأوصاف الذميمة ، فبدأ في صدر هذه الآيات بصفات التحلي تشريفا لها ، ثم أعقبها بصفات التخلي تقعيدا لها ، والله تعالى أعلم .

وقد تقدم القول على إلا من تاب وعلى قول ابن عباس في سورة النساء .

وفي هذه الآية دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع ، وقد استوفينا ذلك في الأصول ، وفي الآية مباحث تطول .

التالي السابق


الخدمات العلمية