المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
170 (24) ومن سورة الحجرات

[ 2907 ] عن أنس بن مالك ، لما نزلت هذه الآية : لا ترفعوا أصواتكم إلى آخر الآية [ الحجرات : 2 ] ، جلس ثابت في بيته وقال : أنا من أهل النار ، واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال : يا أبا عمرو ما شأن ثابت ، أشتكى ؟ قال سعد : إنه لجاري وما علمت له بشكوى ، قال : فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثابت : أنزلت هذه الآية ، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا من أهل النار . فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو من أهل الجنة .

وفي رواية : قال : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ، رجل من أهل الجنة .

رواه البخاري (4846) ، ومسلم (119) (187 و 188) .


(24) ومن سورة الحجرات

ثابت هذا هو ثابت بن قيس بن شماس بن مالك الخزرجي ، يكنى أبا محمد ، بابنه ، وقيل : أبا عبد الرحمن ، قتل له يوم الحرة ثلاثة من الولد : محمد ويحيى وعبد الله ، وكان خطيبا بليغا معروفا بذلك ، كان يقال له : خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يقال لحسان : شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما قدم وفد بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 399 ] وطلبوا المفاخرة ، قام خطيبهم فافتخر في خطبته . ثم قام ثابت بن قيس فخطب خطبة بليغة جزلة فغلبهم ، وقام شاعرهم وهو الأقرع بن حابس فأنشد :


أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا إذا خالفونا عند ذكر المكارم     وإنا رؤوس الناس من كل معشر
وأن ليس في أرض الحجاز كدارم

فقام حسان فقال :


بني دارم لا تفخروا إن فخركم     يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم     لنا خول من بين ظئر وخادم

فقالوا : خطيبهم أخطب من خطيبنا ، وشاعرهم أشعر من شاعرنا ، فارتفعت أصواتهم ، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول [ الحجرات : 2 ] ولما نزلت جلس ثابت في بيته ، فكان كما ذكر في الأصل ، وقال عطاء الخراساني : حدثتني ابنة ثابت بن قيس ، قالت : لما نزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية [ الحجرات : 2 ]، دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليه يسأله : ما خبره ؟ فقال : أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون حبط عملي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لست منهم ، بل تعيش بخير وتموت بخير " . قال : ثم أنزل الله : إن الله لا يحب كل مختال فخور [ لقمان : 18] فأغلق بابه وطفق يبكي ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه : ما خبره ؟ فقال : يا رسول الله إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي ، فقال : [ ص: 400 ] " لست منهم ، بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة " . قالت : فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد إلى مسيلمة ، فلما التقوا انكشفوا ، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة ، فثبتا ، وقاتلا حتى قتلا . وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة ، فمر به رجل من المسلمين فأخذها ، فبينا رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه فقال له : أوصيك بوصية ، وإياك أن تقول : هذا حلم ، فتضيعه ، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ، ومنزله في أقصى الناس ، وعند خبائه فرس يستن في طوله ، وقد كفأ على الدرع برمة ، وفوق البرمة رحل ، فأت خالدا فمره أن يبعث إلى درعي ، فيأخذها ، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني أبا بكر - رضي الله عنه - فقل له : إن علي من الدين كذا وكذا ، وفلان من رقيقي عتيق وفلان . فأتى الرجل خالدا فأخبره ، فبعث إلى الدرع ، فأتي بها ، وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته .

قال : ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت .

و (قوله : ولا تجهروا له بالقول [ الحجرات : 2 ]) أي : لا تخاطبوه : يا محمد ، و : يا أحمد ، ولكن : يا نبي الله ، أو : يا رسول الله . توقيرا له ، صلى الله عليه وسلم .

و (قوله : أن تحبط أعمالكم [ الحجرات : 2 ]) أي : من أجل أن تحبط ; أي : تبطل . فإما أصل الأعمال ، إن كان ذلك عن كفر ، وإما ثوابها إن كان عن معصية .

التالي السابق


الخدمات العلمية