المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5344 [ 2914 ] وعن عائشة قالت لعروة : يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فسبوهم . وقد تقدم .

رواه مسلم (3022) .


[ ص: 406 ] (27) ومن سورة الحديد والحشر

(قوله : لم يكن بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين ) .

قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ، ومذاكرة الموجدة ، تقول : عاتبته معاتبة . قال الشاعر :


أعاتب ذا المودة من صديق إذا ما رابني منه اجتناب     إذا ذهب العتاب فليس ود
ويبقى الود ما بقي العتاب

و (قوله : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله [ الحديد : 16 ]) أي : ألم يحن ، قال الشاعر :


ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا

وماضيه : أنى يأني ، فأما " آن " الممدود فمضارعه يئين . وأنشد ابن السكيت :


ألما يأن لي أن تجلى عمايتي     وأفصم عن ليلي بلى قد أنى ليا

فجمع بين اللغتين . وأن تخشع : أي تذل وتلين لذكر الله وتعظيمه . وقيل : [ ص: 407 ] معناه : تجزع من خشية الله ، وقيل : الذكر هنا : القرآن ، وفيه بعد ; لأن قوله : وما نـزل من الحق هو القرآن ، فيكون تكرارا .

و (قوله : فطال عليهم الأمد [ الحديد : 16 ]) أي : رأوا الموت بعيدا ، يعني أنهم لطول أملهم لا يرون الموت يقع بهم ، فقست قلوبهم ; أي : جفيت وغلظت ، فلم يفهموا دلالة ولا صدقوا رسالة . وكثير منهم فاسقون ; أي : خارجون عن مقتضى العقل من التوحيد ، وعن مقتضى الرسالة من التصديق . وفائدة هذه الآية : أنه لما رسخ الإيمان في قلوبهم أرشدهم إلى الازدياد في أحوالهم ، والمراقبة في أعمالهم ، وحذرهم عن جفوة أهل الكتاب بأبلغ خطاب وألطف عتاب .

و (قول عائشة - رضي الله عنها - : أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسبوهم ) أشارت عائشة - رضي الله عنها - إلى قوله : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] فسبوهم : تريد عائشة بهذا أن التابعين حقهم الواجب عليهم أن يحبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يعظموهم ويستغفروا لهم ، وكذلك كل من يجيء بعد التابعين إلى يوم القيامة ، ويحرم عليهم أن يسبوهم ، أو يسبوا أحدا منهم ، كما قد صرح بذلك بعض بني أمية ، وإياهم عنت بقولها ، ولقد أحسن مالك - رحمه الله - في فهم هذه الآية ، فقال : من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حق له في الفيء ، واستدل بالآية . ووجهه : أنه رأى هذه الآية معطوفة على قوله : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم [ الحشر : 9 ] وأن هذه الآية معطوفة على قوله : للفقراء المهاجرين [ الحشر : 8 ] [ ص: 408 ] فظهر له أن المهاجرين والأنصار استحقوا الفيء بأنهم مهاجرون وأنصار من غير قيد زائد على ذلك ، وأن من جاء بعدهم قيدوا بقيد : يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] فإن لم يوجد هذا القيد لم يجز الإعطاء لعدم تمام الموجب . وقد فهم عمر - رضي الله عنه - أن قوله : والذين جاءوا من بعدهم يعم كل من يأتي إلى يوم القيامة ، وأنها معطوفة على ما قبلها ، فوقف الأرض المغنومة المفتتحة في زمانه على من يأتي بعد إلى يوم القيامة ، وخصص بهذه الآية الأرض من جملة الغنيمة التي قال الله فيها : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [ الأنفال :41 ] وقد تقدم الكلام على هذا في الجهاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية