المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4985 (29) باب : من أخبار المنافقين

[ 2917 ] عن أبي الطفيل ، قال : كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال : فقال له القوم : أخبره إذ سألك ، قال : كنا نخبر أنهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، وعذر ثلاثة قالوا : ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا علمنا بما أراد القوم ، وقد كان في حرة فمشى فقال : إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد ، فوجد قوما قد سبقوه ، فلعنهم يومئذ .

رواه أحمد (5 \ 391) ، ومسلم (2779) (11) .


[ (29) باب : من أخبار المنافقين ]

(قول أبي الطفيل : كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ) ليست هذه العقبة عقبة بيعة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ، ومن ظن ذلك فقد جهل ، وإنما هي عقبة بطريق تبوك ، وقف له فيها قوم من المنافقين ليقتلوه ، كما قد رواه أحمد بن حنبل من طريق أبي الطفيل هذا ، قال : لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أمر مناديا ينادي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة ، فلا يأخذها أحد ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة ، ويسوقه عمار - رضي الله عنهما - إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل غشوا عمارا ، وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة : " قد ، قد " حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما هبط نزل ، ورجع عمار ، فقال : "هل عرفت القوم ؟ " فقال : قد عرفت عامة الرواحل ، والقوم متلثمون . قال : " هل تدري ما أرادوا ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيطرحوه . وذكر أبو الطفيل في تلك الغزاة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس ، وذكر له أن في الماء قلة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي : ألا يرد الماء أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فورده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد رهطا قد وردوا قبله ، فلعنهم [ ص: 412 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعنى أبو الطفيل بقوله : بعض ما يكون بين الناس : الملاحاة والمعاتبة التي تقع غالبا بين الناس .

و (قوله : أنشدك الله ) أي : أسألك بالله ، والقائل : أنشدك بالله ; هو الرجل الذي لاحاه حذيفة - رضي الله عنه - والقائل : كنا نخبر أنهم أربعة عشر ، فإن كنت فيهم فالقوم خمسة عشر : هو حذيفة ، والمخاطب بذلك القول : هو الرجل المعاتب السائل له بأنشدك الله ، وظاهر كلام حذيفة : أنه ما شك فيه ، لكنه ستر ذلك إبقاء عليه . وهؤلاء الأربعة عشر ، أو الخمسة عشر هم الذين سبقوا إلى الماء ، فلعنهم النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أنه قبل عذر ثلاثة منهم لما اعتذروا له بأنهم ما سمعوا المنادي ، وما علموا بما أراد من كان معهم من المنافقين ; فإنهم أرادوا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يسبقوا إلى الماء ، ويحتمل أن يريد بهم الرهط الذين عرضوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة ليقتلوه ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية