المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
749 (39) ومن سورة النصر

[ 2933 ] عن عبد الله بن عتبة ، قال : قال لي ابن عباس : تعلم آخر سورة من القرآن نزلت جميعا ؟ قلت : نعم : إذا جاء نصر الله والفتح [النصر : 1 ] قال : صدقت .

وفي رواية : تعلم أي سورة ، ولم يقل : آخر .

[ 2934 ] وعن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه . فقلت : يا رسول الله ، أراك تكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقال : خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثرت من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها ، إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا إلى آخرها [ النصر : 1 - 3 ] .

رواه مسلم (3024) .


(39) ومن سورة النصر

نصر الله : عونه على إظهار نبيه صلى الله عليه وسلم على قريش وغيرهم . والفتح : فتح مكة ، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة - رضي الله عنها - ولا يلتفت لما قيل في ذلك مما يخالفه . والأفواج : الزمر . يعني زمرة بعد زمرة ، وهذا كان بعد فتح مكة ، فإن أهل مكة كانوا عظماء العرب وقادتهم ، ومكة بيت الله تعالى ، فتوقفت العرب في إسلامها على أهل مكة ينظرون ما يفعلون ، فلما فتح الله تعالى مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأسلم أهلها أصفقت العرب على الدخول في الإسلام ، وهجرت الأوثان ، وعطلت الأزلام ، وحصل التمام ، وكمل الإنعام ، فوجب الشكر لهذا المنعم الكريم ، واستغفار هذا المولى الرحيم ، لا سيما وقد أفصح خطابا : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا [ النصر : 3 ] أي : قل يا محمد : سبحان الله وبحمده ، و : أستغفر الله وأتوب إليه . فكان صلى الله عليه وسلم يكثر من قول ذلك شكرا [ ص: 437 ] لله تعالى ، وامتثالا لما أمر به هنالك . وقد تقدم : أن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - فهما من هذه السورة أن الله تعالى نعى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نفسه ، وكذلك فهمه أبو بكر - رضي الله عنه - وقال ابن عمر - رضي الله عنهما - : نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ، ثم نزلت : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي [ المائدة : 3 ] فعاش بعدها النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يوما ، ثم نزلت آية الكلالة ، فعاش بعدها خمسين يوما ، ثم نزل : لقد جاءكم رسول من أنفسكم [ التوبة : 128 ] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما ، ثم نزلت : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله [ البقرة : 281 ] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما . وقال مقاتل : سبعة أيام .

إنه كان توابا على النادمين - وإن كثروا - ومحاء ذنوب الخطائين إذا استغفروا . نسأل الله العظيم الكريم أن يلهمنا الندم الذي هو أعظم أركان التوبة ، وأن يمحو ذنوبنا ، ويلهمنا الاستغفار الموجب لذلك ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية