المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
43 (10) باب

حق الله تعالى على العباد

[ 24 ] عن معاذ بن جبل ، قال : كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل - وفي رواية : على حمار يقال له : عفير ، ولم يذكر : ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل - فقال : يا معاذ بن جبل! قلت : لبيك رسول الله وسعديك ! ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل! قلت : لبيك رسول الله وسعديك ! ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل ! قلت : لبيك رسول الله وسعديك! قال : هل تدري ما حق الله على العباد ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن حق الله على العباد : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل ! قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، قال : هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ألا يعذبهم .

رواه أحمد ( 5 \ 238 ) ، والبخاري ( 7373 ) ، ومسلم ( 30 ) ، والترمذي ( 2645 ) ، وابن ماجه ( 4296 ) .


[ ص: 202 ] (10) ومن باب حق الله على العباد

(قوله : " كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ") يروى : ردف بسكون الدال من غير ياء ، وبكسر الراء ، ويروى : رديف بفتح الراء وكسر الدال وياء بعدها ، وكلاهما صحيح رواية ولغة ، وهما اسمان للراكب خلف الراكب ، يقال منه : ردفته أردفه ، بكسر الدال في الماضي ، وفتحها في المستقبل ، وأردفته أنا بألف ، وذلك الموضع يسمى الردف . ورواه الطبري : ردف بفتح الراء وكسر الدال من غير ياء ، كـ : عجل وحذر وزمن ، وليس بمعروف في الأسماء .

و (قوله : " ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل ") كذا وقع هاهنا : مؤخرة ، وقرأناه على من يوثق بعلمه بضم الميم ، وفتح الراء ، والخاء مشددة على أنه اسم مفعول ; لأنها تؤخر . وأنكر هذا اللفظ يعقوب ، وابن قتيبة ، وقالا : المعروف عند العرب : أخرة الرحل ، وهي العود الذي خلف الراكب ، وتقابله : قادمته . وقيل فيها : مؤخرة ، بهمز الواو خفيفة وكسر الخاء ، حكاها صاحب " الصحاح " ، وأبو عبيد . والرحل للبعير كالسرج للفرس ، والإكاف للحمار .

وعفير : تصغير أعفر تصغير الترخيم ; كسويد تصغير أسود ، وتصغيره غير مرخم : أعيفر . والعفرة : بياض يخالطه صفرة كعفرة الأرض والظباء . والمشهور في اسم حمار النبي - صلى الله عليه وسلم - يعفور .

[ ص: 203 ] تنبيه : إن كانت هاتان الروايتان قضية واحدة ، فقد تجوز بعض الرواة في تسميته الإكاف رحلا ، ويحتمل أن تكون تلك قضية واحدة تكررت مرتين ، والله أعلم .

وفيه ما يدل على جواز ركوب اثنين على حمار ، وعلى تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما كرر النبي - صلى الله عليه وسلم - نداء معاذ ثلاثا ; ليستحضر ذهنه وفهمه ، وليشعره بعظم ما يلقيه عليه .

وحق الله على عباده : ما أوجبه عليهم بحكمه ، وألزمهم إياه بخطابه . وحق العباد على الله : هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء ; فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق ، وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ، ولا الخلف في الوعد ; فالله تعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر ; إذ لا أمر فوقه ، ولا بحكم العقل ; إذ العقل كاشف لا موجب ، كما بيناه في " الأصول " .

التالي السابق


الخدمات العلمية