رواه البخاري ( 3276 ) ، ومسلم ( 135 ) ، وأبو داود ( 4721 ) و ( 4722 ) .
و (قوله : " فليستعذ بالله ، ولينته ") لما كانت هذه الوساوس من إلقاء الشيطان ، ولا قوة لأحد بدفعه إلا بمعونة الله وكفايته : أمر بالالتجاء إليه ، والتعويل في دفع ضرره عليه ، وذلك معنى الاستعاذة على ما يأتي ، ثم عقب ذلك بالأمر بالانتهاء عن تلك الوساوس والخواطر ، أي : عن الالتفات إليها والإصغاء نحوها ، بل يعرض عنها ولا يبالي بها . وليس ذلك نهيا عن إيقاع ما وقع منها ، ولا عن ألا يقع منه ; لأن ذلك ليس داخلا تحت الاختيار ولا الكسب ، فلا يكلف بها ، والله أعلم .
و (قوله في الحديث الآخر : " قل : آمنت بالله ") أمر بتذكر الإيمان الشرعي ، واشتغال القلب به ; لتمحى تلك الشبهات ، وتضمحل تلك الترهات . وهذه كلها أدوية للقلوب السليمة ، الصحيحة المستقيمة ، التي تعرض الترهات لها ، ولا تمكث فيها ; فإذا استعملت هذه الأدوية على نحو ما أمر به ، بقيت القلوب على صحتها ، وانحفظت سلامتها .
وتحرير ذلك على طريق البرهان العقلي أن يقال : إن كان الداخل أجربها ، فمن أجربه ; فإن كان أجربه بعير آخر كان الكلام فيه كالكلام في الأول ، فإما أن يتسلسل أو يدور ، وكلاهما محال ، فلا بد أن نقف عند بعير أجربه الله من غير عدوى ; وإذا كان كذلك ، فالله تعالى هو الذي أجربها كلها ، أي : خلق الجرب فيها . وهذا على منهاج دليل المتكلمين على إبطال علل وحوادث لا أول لها على ما يعرف في كتبهم .
والوسوسة وزنها : فعللة ، وهي صيغة مشعرة بالتحرك والاضطراب ; كالزلزلة ، والقلقلة ، والحقحقة ، وأصل الوسوسة : الصوت الخفي ، ومنه سمي صوت الحلي : الوسواس .