المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
539 (35) باب

الوضوء من لحوم الإبل والمضمضة من اللبن

[ 280 ] عن جابر بن سمرة ; أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن شئت ، فتوضأ . وإن شئت فلا توضأ ، قال : أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم ، فتوضأ من لحوم الإبل ، قال : أصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم ، قال : أصلي في مبارك الإبل ؟ قال : لا .

رواه مسلم ( 360 ) .


(35) ومن باب الوضوء من لحوم الإبل

هذا الوضوء المأمور به من لحوم الإبل ، المباح من لحوم الغنم ، هو اللغوي ، ولذلك فرق بينهما ; لما في لحوم الإبل من الزفورة والزهم . وعلى تقدير كونه وضوءا شرعيا فهو منسوخ بما تقدم . وقد ذكرنا من تمسك بهذا الحديث .

وإباحة الصلاة في مرابض الغنم دليل لمالك على طهارة فضلة ما يؤكل لحمه ; لأن مرابضها مواضع ربوضها وإقامتها ، ولا يخلو عن أبوالها وأرواثها .

وأما نهيه عن [ ص: 606 ] الصلاة في معاطن الإبل فليس لنجاسة فضلاتها ، بل لأمر آخر ، إما لنتن معاطنها ، أو لأنها لا تخلو غالبا عن نجاسة من يستتر بها عند قضاء الحاجة ، أو لئلا يتعرض لنفارها في صلاته ، أو لما جاء أنها من الشياطين ، وهذه كلها مما ينبغي للمصلي أن يتجنبها . ومع هذه الاحتمالات لا يصلح هذا الحديث للاستدلال به على نجاسة فضلاتها ، وقد أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - للعرنيين شرب ألبان الإبل وأبوالها ، ولا يلتفت إلى قول من قال : إن ذلك لموضع الضرورة ; لأنها لا نسلمها ; إذ الأدوية في ذلك للمرض الذي أصابهم كثيرة ، ولو كان ذلك للضرورة لاستكشف عن حال الضرورة ، ولسأل عن أدوية أخرى حتى يتحقق عدمها ، ولو كانت نجسة لكان التداوي بها ممنوعا أيضا بالأصالة ، كالخمر ، ألا تراه لما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن التداوي بالخمر فقال : " إنها ليست بدواء ، ولكنها داء " ، ولم يلتفت إلى الحاجة النادرة التي يباح فيه ; كإزالة الغصص بجرعة منها عند عدم مائع آخر . وحاصله : أن إخراج الأمور عن أصولها ، وإلحاقها بالنوادر لا يلتفت إليه لأنه خلاف الأصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية