المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
49 (12) باب

من يذوق طعم الإيمان وحلاوته

[ 27 ] عن العباس بن عبد المطلب ; أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا .

رواه أحمد ( 1 \ 208 ) ، ومسلم ( 34 ) ، والترمذي ( 2758 ) .


[ ص: 210 ] (12) ومن باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته

(قوله : " ذاق طعم الإيمان ") أي : وجد حلاوته ، كما قال في حديث أنس : ثلاث من كن فيه ، وجد بهن حلاوة الإيمان ، وهي عبارة عما يجده المؤمن المحقق في إيمانه ، المطمئن قلبه به ; من انشراح صدره ، وتنويره بمعرفة الله تعالى ، ومعرفة رسوله ، ومعرفة منة الله تعالى عليه : في أن أنعم عليه بالإسلام ، ونظمه في سلك أمة محمد خير الأنام ، وحبب إليه الإيمان والمؤمنين ، وبغض إليه الكفر والكافرين ، وأنجاه من قبيح أفعالهم ، وركاكة أحوالهم .

وعند مطالعة هذه المنن ، والوقوف على تفاصيل تلك النعم ، تطير القلوب فرحا وسرورا ، وتمتلئ إشراقا ونورا ، فيا لها من حلاوة ما ألذها ، وحالة ما أشرفها!! فنسأله - الله - تعالى أن يمن بدوامها وكمالها ، كما من بابتدائها وحصولها ; فإن المؤمن عند تذكر تلك النعم والمنن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة ; غير أن المؤمنين في تمكنها ودوامها متفاوتون ، وما منهم إلا وله منها شرب معلوم ، وذلك بحسب ما قسم لهم من هذه المجاهدة الرياضية ، والمنح الربانية ، وللكلام في تفاصيل ما أجملناه مقام آخر .

و (قوله : " من رضي بالله ربا . . . ") الحديث ; الرضا بهذه الأمور الثلاثة على قسمين :

رضا عام : وهو ألا يتخذ غير الله ربا ، ولا غير دين الإسلام دينا ، ولا غير محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا ; وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم ; إذ لا يصح التدين بدين الإسلام إلا بذلك الرضا .

[ ص: 211 ] والرضا الخاص : هو الذي تكلم فيه أرباب القلوب ، وهو ينقسم على قسمين : رضا بهذه الأمور ، ورضا عن مجريها تعالى ; كما قال أبو عبد الله بن خفيف : الرضا قسمان : رضا به ، ورضا عنه ; فالرضا به مدبرا ، والرضا عنه فيما قضى ، وقال أيضا : هو سكون القلب إلى أحكام الرب ، وموافقته على ما رضي واختار ، وقال الجنيد : الرضا رفع الاختيار ، وقال المحاسبي : هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام ، وقال أبو علي الروذباري : ليس الرضا ألا يحس بالبلاء ، إنما الرضا ألا يعترض على الحكم .

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : وما ذكره هؤلاء المشايخ هو مبدأ الرضا عندهم ، وقد ينتهي الرضا إلى ما قاله النوري : هو سرور القلب بمر القضاء ، وسئلت رابعة عن الرضا ؟ فقالت : إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة .

وقد غلا بعضهم وهو أبو سليمان الداراني ، فقال : أرجو أن أكون عرفت طرفا من الرضا ، لو أنه أدخلني النار ، لكنت به راضيا . وقال رويم : الرضا هو : لو جعل جهنم عن يمينه ، ما سأل أن يحول عن شماله .

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : وهذا غلو ، وفيه إشكال ، والكلام فيه يخرج عن مقصود كتابنا . وعلى الجملة : فالرضا باب الله الأعظم ، وفيه جماع الخير كله ; كما قال عمر لأبي موسى فيما كتب إليه : أما بعد ! فإن الخير كله في الرضا ; فإن استطعت أن ترضى ، وإلا فاصبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية