المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
579 [ 303 ] وعن سعد بن أبي وقاص ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا - غفر له ذنبه .

رواه مسلم ( 368 )، وأبو داود ( 525 )، والترمذي ( 210 )، والنسائي ( 2 \ 26 ) .


(3) ومن باب : إذا سمعتم الأذان

قوله " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول " ، حكى الطحاوي أنه اختلف في حكمه ; فقيل واجب ، وقيل مندوب إليه ، والصحيح أنه مندوب ، وهو الذي عليه الجمهور . ثم هل يقوله عند سماع كل مؤذن ؟ أم لأول مؤذن فقط ؟ [ ص: 12 ] واختلف في الحد الذي يحاكى فيه المؤذن ; هل إلى التشهدين الأخيرين ؟ أم لآخر الأذان ؟ فنقل القولان عن مالك ، ولكنه في القول الآخر إذا حيعل المؤذن فيقول السامع لا حول ولا قوة إلا بالله - كما جاء في الأم وكما رواه أبو داود عن معاوية ، واختلف في المصلي : هل يحاكي المؤذن وهو في الصلاة ؟ فقيل : يحاكيه في الفريضة والنافلة ، وقيل : لا يحاكيه فيهما ، وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة . وقيل : يحاكيه في النافلة خاصة ، وبه قال الشافعي - والثلاثة الأقوال في مذهبنا . قال المطرز في كتاب " اليواقيت " وفي غيره : إن الأفعال التي أخذت من أسمائها سبعة ; وهي : بسمل إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم ، وسبحل إذا قال سبحان الله ، وحوقل إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله ، وحيعل إذا قال حي على الفلاح ، ويجيء على القياس الحيصلة إذا قال حي على الصلاة - ولم يذكره غيره . وحمدل إذا قال الحمد لله ، وهلل إذا قال لا إله إلا الله ، وجعفل إذا قال جعلت فداك . وزاد الثعالبي الطبقلة إذا قال أطال الله بقاءك ، والدمعزة إذا قال أدام الله عزك . قال ابن الأنباري رحمه الله : ومعنى " حي " في كلام العرب هلم وأقبل . قال الشيخ رحمه الله : يقال بلفظ واحد للواحد والجميع ، وهي من أسماء الأفعال ، وفتحت الياء من حي لسكونها وسكون الياء التي قبلها ، كما قالوا ليت . وفيها لغات ; يقال : حي ، وحيهلا ، وحيهلا غير منون ، وحيهل ساكنة اللام ، ومنه قول عبد الله بن مسعود : إذا ذكر الصالحون فحيهلا [ ص: 13 ] بعمر ; أي : فأقبلوا على ذكر عمر ، وقد تقدم ذكر الفلاح . وقيل : قياس المطرز الحيصلة على الحيعلة غير صحيح ، بل الحيعلة تطلق على حي على الفلاح وعلى حي على الصلاة ; وإنما هي من قوله حي على كذا فقط ، ولو كان على قياسه في الحيعلة لكان الذي يقال في حي على الفلاح الحيفلة ، وهذا لم يقل ، والباب مسموع .

وقوله " واسألوا الله لي الوسيلة " قد فسرها في هذا الحديث بأنها منزلة في الجنة ، قال أهل اللغة : الوسيلة المنزلة ، وهي مشتقة من توسل الرجل إذا تقرب .

وقوله " وأرجو أن أكون أنا هو " ، قال هذا - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبان له أنه صاحبها ، إذ قد أخبر أنه يقوم مقاما لا يقومه أحد غيره ويحمد الله بمحامد لم يلهمها أحد غيره ، ولكن مع ذلك فلا بد من الدعاء فيها ; فإن الله تعالى يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة كما زاده بصلاتهم ، ثم إنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور ووجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم .

وقوله " حلت " وجبت ، يقال حل يحل وجب ، وحل يحل نزل ، وكأنها لازمة ولم تنفصل عنه ، ولذلك عداه بـ " على " .

[ ص: 14 ] تنبيه : واعلم أن الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة ; وذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله تعالى ووجوبه وكماله ، ثم ثنى بالتوحيد ، ثم ثلث برسالة رسوله ، ثم ناداهم لما أراد من طاعته ، ثم ضمن ذلك بالفلاح وهو البقاء الدائم ، فأشعر بأن ثم جزاء ، ثم أعاد ما أعاد توكيدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية