المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
591 (6) باب

التكبير في الصلاة

[ 309 ] عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ، ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ، ثم يكبر حين يهوي ساجدا ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها .

وعنه أنه كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع ، فلما انصرف قال : والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم .

رواه أحمد ( 2 \ 454 و 470 )، والبخاري ( 789 )، ومسلم ( 392 ) (27 و 28)، وأبو داود ( 836 )، والنسائي ( 2 \ 232 ) .


[ ص: 22 ] (6) ومن باب : التكبير في الصلاة

قوله " يكبر " حجة في وجوب التكبير للإحرام وتعيينه ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - للذي علمه الصلاة : إذا قمت إلى الصلاة فكبر . واختلف في حكم التحريم ; فعامة أهل العلم على وجوبه إلا ما روي عن الزهري وابن المسيب والحسن والحكم والأوزاعي وقتادة أنه سنة وأنه يجزئ الدخول في الصلاة بالنية ، وعامة أهل العلم على أنه لا يجزئ إلا بلفظ التكبير ، إلا أبا حنيفة وأصحابه فإنهم يجيزون الدخول بكل لفظ فيه تعظيم لله ، وأجاز الشافعي : الله الأكبر ، وأجاز أبو يوسف : الله الكبير ، ومالك لا يجيز إلا اللفظ المعين : الله أكبر - المعهود في عرف اللغة والشرع لا سواه . والأولى ما صار إليه مالك - رحمه الله - لما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم . والألف واللام في التكبير والتسليم حوالة على معهود تكبيره - صلى الله عليه وسلم - وتسليمه ، ولم يرو عنه قط أنه قال في التكبير ولا في التسليم غير لفظين معينين وهما : الله أكبر ، والسلام عليكم .

[ ص: 23 ] وقوله " يكبر كلما خفض ورفع " و " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك " ; هذا هو الأمر الثابت من فعله والذي استقر عليه عمل المسلمين ، وقد كان بعض السلف يرى أنه لا تكبير في الصلاة غير تكبيرة الإحرام . وقال بعضهم : ليس بسنة إلا للجماعة ; ليشعر الإمام بحركاته من وراءه . ومذهب أحمد بن حنبل : وجوب جميع التكبير في الصلاة ، وعامة العلماء على أنه سنة بدليل قوله للذي علمه الصلاة : إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ، ثم استقبل القبلة ، ثم كبر - ولم يذكر له إلا فرائض الصلاة .

وفي قوله " كلما خفض ورفع " ما يدل على مقارنة التكبير للفعل ، وعليه يدل قوله " سمع الله لمن حمده " حين يرفع صلبه من الركوع ، وقوله " ثم يكبر حين يهوي ساجدا " وهو قول أهل العلم ، واستثنى مالك من ذلك التكبير بعد القيام من اثنتين فلا يكبر حتى يستوي قائما ، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز ، قال مالك : وإن كبر هنا في نهوضه فهو في سعة .

وقوله " يهوي " هو بفتح الياء وكسر الواو ، وماضيه هوى بفتح الواو ، ومعناه : يسقط إلى الأرض ساجدا . وأما أهوى الرباعي فمضارعه يهوي بضم الياء وكسر الواو فمعناه : أقبل على الشيء ليأخذه بيده ، يقال أهويت للشيء إذا أردت أخذه بيدك . وأما هوي بفتح الهاء وكسر الواو فمعناه أحب ، ومضارعه يهوى بفتح الياء والواو ، وذكره الجوهري في الصحاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية