المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
610 [ 318 ] وعن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، فكان يقول : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .

رواه أحمد ( 1 \ 292 )، ومسلم ( 403 )، وأبو داود ( 974 )، والترمذي ( 290 )، والنسائي ( 2 \ 242 و 243 ) .


[ ص: 34 ] (10) ومن باب : التشهد في الصلاة

اختار جمهور الفقهاء وأصحاب الحديث تشهد ابن مسعود ، واختار الشافعي تشهد ابن عباس الآتي ، واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب لكونه علمه الناس على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرة الصحابة والناس ولم ينكر ذلك فصار إجماعا منهم على أصل مالك في هذا الباب .

وقوله عليه الصلاة والسلام " إن الله هو السلام " ، والسلام من أسمائه تعالى الحسنى ، وهو السالم من النقائص وسمات الحدث . وقيل : المسلم عباده . وقيل : المسلم عليهم في الجنة ، كما قال : سلام عليكم طبتم [ الزمر : 73 ] وقيل : معناه في قوله " السلام عليك أيها النبي " ، وفي سلام الصلاة السلامة والنجاة ، فيكون مصدرا كاللذاذ واللذاذة ، كما قال تعالى : فسلام لك من أصحاب اليمين [ الواقعة :91 ] وقيل : " السلام عليك " ; أي الانقياد لك والتسليم لك ، قال : فلا وربك لا يؤمنون إلى قوله : تسليما [ النساء : 65 ] وقد سبق القول في التحيات والطيبات وأنها الأقوال الصالحة كالأذكار والدعوات وما شاكل ذلك ، كما قال تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب [ فاطر :10 ]

وقوله " لله " في هذا الموضع تنبيه على الإخلاص في العبادات ; أي : [ ص: 35 ] ذلك كله من الصلوات والأعمال لا تفعل إلا لله تعالى ، ويجوز أن يراد به الاعتراف بأن ملك ذلك كله لله تعالى .

وقوله " على عباد الله الصالحين " فيه دليل على أن جمع التكثير للعموم وعلى صحة القول بالعموم من غير توقف ولا تأخير ، وقد نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك حيث قال : أصابت كل عبد صالح - فأدخل فيه الكل حتى الملائكة .

وقوله " ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء " حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول : لا تدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن ، وحجة على الشافعي حيث أوجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل صلاة بعد التشهد الأخير . والصحيح عند الجمهور أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة في الجملة ، مندوب إليها في الصلاة وغيرها ، متأكدة الندبية في الصلاة ، حتى إن بعض أصحابنا يطلقون عليها أنها سنة لقوله - عليه الصلاة والسلام - للرجل الذي علمه الصلاة : فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك ، ولم يذكر فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما تقدم .

واختلف العلماء في حكم التشهدين ; فهما غير واجبين عند مالك والجمهور بل مندوبان ، وذهب فقهاء أصحاب الحديث إلى وجوبهما ، وذهب الشافعي إلى وجوبه في الآخرة ، وروي عن مالك مثله ، والصحيح الأول على الطريقة المتقدمة منه .

وسمي التشهد تشهدا لأنه مأخوذ من لفظ الشهادتين بالوحدانية لله وبالرسالة لرسوله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية