المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
629 (14) باب

استخلاف الإمام إذا مرض ، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

[ 330 ] عن عائشة قالت : ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! قال : ضعوا لي ماء في المخضب . ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق ، قال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! قال : ضعوا لي ماء في المخضب . ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق ، قال : أصلى الناس ؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! فقال : ضعوا لي ماء في المخضب . ففعلنا ، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أصلى الناس ؟ فقلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ! قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العشاء الآخرة . قالت : فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر أن يصلي بالناس ، فأتاه الرسول فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تصلي بالناس ! فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا : يا عمر ، صل بالناس ! قال : فقال أنت أحق بذلك ! قالت : فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد من نفسه خفة ، فخرج بين رجلين - أحدهما العباس - لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتأخر ، وقال لهما : أجلساني إلى جنبه - فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد .

قال ابن عباس : الرجل الذي لم تسمه هو علي رضي الله عنه .

وفي رواية قالت : أول ما اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة ، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها - يعني بيت عائشة - فأذن له . قالت : فخرج ويد له على الفضل بن العباس ويد له على رجل آخر ، وهو يخط برجليه في الأرض .

وعنها قالت : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ! قالت : فقلت : يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر ؟! قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ! فقلت لحفصة : قولي إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر ! فقالت له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكن لأنتن صواحب يوسف ! مروا أبا بكر فليصل بالناس . قالت : فأمروا أبا بكر فصلى بالناس . قالت : فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ، قالت : فقام يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطان في الأرض . قالت : فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر ، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم مكانك ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر ، قالت : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما ، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر .

وفي رواية قالت : فقلت يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل رقيق ; إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه ، فلو أمرت غير أبي بكر ! قالت : والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

رواه أحمد ( 6 \ 250 )، والبخاري ( 664 )، ومسلم ( 418 ) ( 90 و 91 و 95 )، والترمذي ( 3678 )، والنسائي ( 2 \ 98 - 100)، وابن ماجه ( 1232 ) .


[ ص: 49 ] (14) ومن باب : استخلاف الإمام

المخضب : مثل الإجانة والمركن ، وهي القصرية . و " لينوء " : ليقوم وينهض . و " عكوف " : ملتزمون المسجد مجتمعون .

واستدعاء الماء بعد الإغماء يدل على أن الإغماء ينقض الطهارة كما هو متفق عليه ، وهذا على أن يكون الغسل هنا يراد به الوضوء ، والله أعلم .

وقوله " وكان أبو بكر رجلا رقيقا " ; أي رقيق القلب كثير الخشية [ ص: 50 ] سريع الدمعة ، وهو الأسيف أيضا في الحديث الآخر ; فإن الأسف الحزن ، وحالة الحزين غالبا الرقة ، والأسيف في غير هذا : العبد ، والأسيف أيضا : الغضبان .

وقول أبي بكر لعمر " صل بالناس " بعد أن أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة دليل على أن للمستخلف أن يستخلف .

[ ص: 51 ] وقوله “ يهادى بين رجلين " ، التهادي : هو المشي الثقيل مع التمايل يمينا وشمالا .

واختلف العلماء فيمن كان الإمام ; هل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أبو بكر ؟ وسببه اختلاف الأحاديث المروية في ذلك ; ففي حديث عائشة ما ينص على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان الإمام وأن أبا بكر كان يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر . وروى الترمذي عن جابر أن آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر ، وصححه . وكذلك اختلفت الروايات ; هل قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يسار أبي بكر أو عن يمينه ؟ وليس في الصحيح ذكر لأحدهما ، وقد ذهب بعض المتأخرين إلى الجمع بين الحديثين بأن ذلك كان في صلاتين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إماما في إحداهما مأموما في الأخرى ، وهو محتمل لو كان هناك نقل يعضده . وحديث سهل بن سعد حجة في الاستخلاف وجوازه ، وهو أصل في الباب ، وهو دليل على داود والشافعي في منعه الاستخلاف ، وعلى أن الصلاة تصح بإمامين بغير عذر ، وأجازها الطبري والبخاري وبعض الشافعية استدلالا بهذا الحديث .

واستئذانه - صلى الله عليه وسلم - نساءه أن يمرض في بيت عائشة تطييب لنفوسهن ، واختلف في الزوج المريض إذا لم يقدر على الدوران على نسائه ; هل اختصاصه بكونه عند واحدة منهن راجع إلى اختياره أو هو حق لهن فيقرع بينهن في ذلك ؟ فيه خلاف .

وقوله " إنكن لأنتن صواحب يوسف " ; يعني في تردادهن وتظاهرهن [ ص: 52 ] بالإغواء والإلحاح حتى يصلن إلى أغراضهن ، كتظاهر امرأة العزيز ونسائها على يوسف ليصرفنه عن رأيه في الاستعصام . وصواحبات : جمع صواحب ، وهو جمع شاذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية