المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
643 [ 335 ] وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : هل ترون قبلتي ها هنا ؟ فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم ، إني لأراكم من وراء ظهري .

( رواه أحمد ( 2 \ 365 )، والبخاري ( 418 )، ومسلم ( 424 ) .


[ ص: 57 ] (17) ومن باب : الأمر بتحسين الصلاة

قوله " إني لأبصر من ورائي كما أبصر بين يدي " ، مذهب أهل السنة من الأشعرية وغيرهم أن هذا الإبصار يجوز أن يكون إدراكا خاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - محققا انخرقت له فيه العادة وخلق له وراءه ، أو يكون الإدراك العيني انخرقت له العادة ، فكان يرى به من غير مقابلة ; فإن أهل السنة لا يشترطون في الرؤية عقلا بنية مخصوصة ولا مقابلة ولا قربا ولا شيئا مما يشترطه المعتزلة وأهل البدع ، وأن تلك الأمور إنما هي شروط عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها ، ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة مع إحالة تلك الأمور كلها ، ولما ذهب أهل البدع إلى أن تلك الشروط عقلية استحال عندهم رؤية الله تعالى فأنكروها وخالفوا قواطع الشريعة التي وردت بإثبات الرؤية ، وخالفوا ما أجمع [ ص: 58 ] عليه الصحابة والتابعون ، ويؤيد هذا قول عائشة رضي الله عنها : في هذا زيادة زاده الله إياها في حجته . وقال بقي بن مخلد : كان - عليه الصلاة والسلام - يرى في الظلام كما يرى في الضوء . وقال مجاهد : كان - عليه الصلاة والسلام - يرى من خلفه كما يرى من بين يديه . وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله " إني لأبصر من ورائي " راجع إلى العلم ، وأن معناه إني لأعلم ، وهذا تأويل لا حاجة إليه ، بل حمل ذلك على ظاهره أولى ، ويكون ذلك زيادة في كرامات النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي فضائله ; لأن ذلك جار على أصول أهل الحق كما قدمناه ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية