المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
703 [ 362 ] وعن أبي برزة الأسلمي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة .

رواه أحمد (4 \ 419)، ومسلم (461)، والنسائي (1 \ 246)، وابن ماجه (818) .


[ ص: 71 ] (22 و 23) ومن باب : القراءة في الظهر والعصر

حديث أبي قتادة حجة لمالك على صحة مذهبه في اشتراط قراءة الفاتحة في كل ركعة وعلى قراءة سورتين مع الفاتحة في الركعتين الأوليين ، وأن ما بقي من الصلاة لا يقرأ فيه إلا بالفاتحة خاصة . وقد تمسك الشافعي في أنه يقرأ فيما بقي بسورة مع الفاتحة بحديث أبي سعيد الآتي بعد هذا ، ووجه تمسكه قوله : إنه قرأ في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك ، والفاتحة إنما هي سبع آيات لا خمس عشرة ، فكان يزيد سورة ، وهذا لا حجة فيه ; فإنه تقدير وتخمين من أبي سعيد . ولعله - صلى الله عليه وسلم - كان يمد في قراءة الفاتحة حتى يقدر [ ص: 72 ] بذلك ، وهذا الاحتمال غير مدفوع . وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها ، وهذا يشهد بصحة هذا التأويل ، وحديث أبي قتادة نص ، فهو أولى . وما ورد في كتاب مسلم وغيره من الإطالة فيما استقر فيه التقصير أو من التقصير فيما استقرت فيه الإطالة ، كقراءته في الفجر بالمعوذتين ، كما رواه النسائي ، وكقراءة الأعراف والمرسلات في المغرب - فمتروك . أما التطويل فبإنكاره على معاذ وبأمره الأئمة بالتخفيف ، ولعل ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - حيث لم يكن خلفه من يشق عليه القيام وعلم ذلك ، أو كان منه ذلك متقدما حتى خفف [ ص: 73 ] وأمر الأئمة بالتخفيف ، كما قال جابر بن سمرة : وكان صلاته بعد تخفيفا ، ويحتمل أن يكون فعل ذلك في أوقات ليبين جواز ذلك ، أو يكون ذلك بحسب اختلاف الأوقات من السعة والضيق . وقد استقر عمل أهل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرا لا يضر من خلفه بقراءتها بطوال المفصل ، ويليها في ذلك الظهر والجمعة ، وتخفيف القراءة في المغرب ، وتوسيطها في العصر والعشاء . وقد قيل في العصر : إنها تخفف كالمغرب . وتطويله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى إنما كان ليدرك الناس الركعة الأولى ، رواه أبو داود عن أبي قتادة .

وعن ابن أبي أوفى أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يقوم في الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم ; يعني : حتى يتكامل الناس ويجتمعوا ، وعلى هذا [ ص: 74 ] يحمل حديث أبي سعيد أنه كان يطول الركعة الأولى من الظهر بحيث يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو فيها ، وذلك - والله أعلم - لتوالي دخول الناس ، ولا حجة للشافعي في هذا الحديث على تطويل الإمام لأجل الداخل ; لأن ما ذكر ليس تعليلا لتطويل الأولى ، وإنما هي حكمته ، ولا يعلل بالحكمة لخفائها أو لعدم انضباطها . وأيضا فلم يكن يدخل في الصلاة مريدا تقصير تلك الركعة ثم يطولها لأجل الداخل ، وإنما كان يدخل فيها ليفعل الصلاة على هيئتها من تطويل الأولى ، فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية