المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
709 [ 366 ] وعن جابر قال : كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم - وفي رواية : فصلى بهم تلك الصلاة - فافتتح سورة البقرة ، فانحرف رجل فسلم ، ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا له : أنافقت يا فلان ؟ فقال : لا والله ، ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأخبرنه ! فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار ، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح سورة البقرة ! فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ فقال : يا معاذ ، أفتان أنت ؟! اقرأ والشمس وضحاها ، والضحى ، والليل إذا يغشى و سبح اسم ربك الأعلى ونحو هذا .

رواه أحمد (3 \ 299-703)، والبخاري (701)، ومسلم (465) (178)، وأبو داود (790-703)، والنسائي (2 \ 97-98)، وابن ماجه (986) .


[ ص: 75 ] (24) ومن باب : القراءة في المغرب والعشاء

قوله في حديث جابر " كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي فيؤم قومه " ، [ ص: 76 ] وفي رواية " فيصلي بهم تلك الصلاة " ، تمسك الشافعي وأحمد في صلاة المفترض خلف المتنفل بهذا الحديث ، وخالفهما مالك وربيعة والكوفيون ، ورأوا أنه لا حجة لهما فيه لوجهين ;

أحدهما : أنه يحتمل أن يكون معاذ اعتقد في صلاته خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضيلة وبصلاته لقومه الفريضة ، وليس هذا الاحتمال بأولى مما صاروا إليه ، فلحق بالمجملات ، فلا يكون فيه حجة .

والثاني : أن في مسند البزار عن عمرو بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سليم يقال له سلم أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنا نظل في أعمالنا ، فنأتي حين نمسي ، فيأتي معاذ فيطول علينا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معاذ ، لا تكن فتانا ، إما أن تخفف بقومك أو تجعل صلاتك معي . وظاهر هذا يدل على أنه كان يصلي الفريضة مع قومه ، ومتمسك المانعين قوله عليه الصلاة والسلام : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه . ولا اختلاف أعظم من اختلاف النيات ، والله تعالى أعلم .

وأما قطع الرجل الصلاة فلعذر صح له ، وهو أنه ضعف عن صلاة معاذ لما لحقه من شدة ألم العمل ، ولأجل ذلك أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ حتى نسبه إلى [ ص: 77 ] الفتنة . ولا حجة للشافعي في هذا الحديث على جواز الخروج عن إمامة الإمام ابتداء من غير عذر ; لأن هذا كان عن عذر ، وأما صلاة هذا الرجل وحده ومعاذ في صلاته فيستدل به على جواز ذلك لعذر ، وأما لغير عذر فممنوع بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : أصلاتان معا ؟ منكرا على من فعل ذلك .

وقوله " أفتان أنت يا معاذ ! " ; أي : أتفتن الناس وتصرفهم عن دينهم ؟! وقد تقدم أصل الفتنة ، ويحتمل أن يكون معناه : تعذب الناس يا معاذ بالتطويل ؟ كما قال تعالى : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات [ البروج : 10 ] ; أي : عذبوهم - في قول المفسرين . والنواضح : الإبل التي يستقى عليها ، والله الموفق للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية