المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
736 (28) باب

ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

[ 375 ] عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال : ربنا لك الحمد ، ملء السماوات والأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد .

رواه مسلم (477)، وأبو داود (847)، والنسائي (2 \ 198 - 199)، وابن ماجه (877) .


[ ص: 82 ] (27 و 28) ومن باب : ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

قوله في حديث أبي سعيد : ملء السماوات والأرض ، وملء ما شئت من شيء . قال الخطابي : هو تمثيل وتقريب ، والمراد تكثير العدد ، حتى لو قدر ذلك أجساما ملأ ذلك كله . وقال غيره : المراد بذلك : التعظيم ; كما يقال : هذه الكلمة تملأ طباق الأرض . وقيل : المراد بذلك : أجرها وثوابها ، والله أعلم . [ ص: 83 ] وبعد : ظرف قطع عن الإضافة مع إرادة المضاف ، وهو السماوات والأرض ، فبني على الضم ; لأنه أشبه حرف الغاية ; الذي هو منذ . والمراد بقوله : من شيء : العرش ، والكرسي ونحوهما ، مما في مقدور الله تعالى ، والله أعلم .

وقوله : أهل الثناء والمجد ; أي : يا أهل الثناء ، فهو منادى مضاف ; حذف حرف ندائه . ورواية الجمهور : المجد - بالميم والجيم - ، إلا ابن ماهان فإنه رواها : الحمد . . فأما المجد ; فهو نهاية الشرف وكثرته ، والماجد : هو الذي يعدد لنفسه آباء أشرافا ، ومآثر حسنة كثيرة ، ومنه قالت العرب : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ; أي : كثر في هذين النوعين من الشجر . وقد تقدم معنى الحمد في أول الكتاب .

وقوله : أحق ما قال العبد ; أي : أوجب وأثبت وأولى . وهو مرفوع بالابتداء ، وخبره : [ اللهم لا مانع لما أعطيت . . إلى آخره : " وكلنا لك عبد " معترض بين المبتدأ والخبر]. والعبد : جنس العباد العارفين بالله تعالى ، فكأنه قال : أولى ما يقول العباد العارفون بالله تعالى هذه الكلمات ; لما تضمنته من تحقيق التوحيد وتمام التفويض ، وصحة التبري من الحول والقوة .

[ ص: 84 ] وقوله : لا ينفع ذا الجد منك الجد ، رواه الجمهور بفتح الجيم في اللفظين ، وهو هنا بمعنى : البخت والحظ . ولفظ الجد ينطلق على البخت ، والغنى ، والعظمة ، والسلطان ، وأب الأب . ومعناه : لا ينفع من رزق مالا وولدا أو جاها دنيويا شيء من ذلك عندك ، وهذا كما قال تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [ الشعراء : 88 - 89 ] . وحكي عن الشيباني في الحرفين : كسر الجيم ، وقال : معناه : لا ينفع ذا الاجتهاد والعمل منك اجتهاده وعمله . قال الطبري : وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل ، ولا نعلم من قاله غيره ، وضعفه . قال غيره : والمعنى الذي أشار إليه الشيباني صحيح ، ومراده : أن العمل لا ينجي صاحبه . وإنما النجاة بفضل الله ورحمته ; كما جاء في الحديث : لن ينجي أحدا منكم عمله . . الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية