المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
777 [ 399 ] وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه ، قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم . قال : فخرج بلال بوضوئه ، فمن نائل وناضح . قال : فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه حلة حمراء ، كأني أنظر إلى بياض ساقيه . قال : فتوضأ . وأذن بلال . قال : فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا ، يقول يمينا وشمالا . يقول : حي على الصلاة ، حي على الفلاح . قال : ثم ركزت له عنزة ، فتقدم فصلى الظهر ركعتين ، يمر بين يديه الحمار والكلب ، لا يمنع . ثم صلى العصر ركعتين ، ثم لم يزل يصلي ركعتين ، حتى رجع إلى المدينة .

وفي رواية : فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء ، فمن أصاب منه شيئا تمسح به ، ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه . ثم رأيت بلالا أخرج عنزة فركزها ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حلة حمراء مشمرا فصلى إلى العنزة بالناس ركعتين ، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة .

رواه أحمد (4 \ 308)، والبخاري (634)، ومسلم (503) (249 و 250)، والترمذي (197)، والنسائي (2 \ 73) .


[ ص: 102 ] وقوله في حديث أبي جحيفة : بالأبطح ; هو موضع خارج مكة ، قريبا منها . والأدم : الجلد . والوضوء - بالفتح - : الماء الذي يتوضأ به ، وبالضم : الفعل . وقد قيل . هما لغتان فيهما . والنائل : الآخذ ، والناضح : المتمسح بالماء ; كما قال في الرواية الأخرى مفسرا به .

وقوله : فجعلت أتتبع فاه يمينا وشمالا ; يقول : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ; حجة على جواز استدارة المؤذن للإسماع ، كما هو مذهب مالك . غير أن الشافعي - رحمه الله - يمنع من الاستدارة بجميع جسده ، واختار ملازمة المؤذن القبلة ، فإن استدار ، فبوجهه كما جاء في ظاهر هذا الحديث . والعنزة : الحربة . والحلة : كل ثوبين لم يكونا لفقين ; كقميص ورداء ، أو إزار ورداء .

[ ص: 103 ] وقوله : بين يديه ; يفسره ما جاء في الرواية الأخرى : بين يدي العنزة ; يريد : أمامها . وفي رواية : يمر من ورائها المرأة والحمار ، لا يمنع ; يعني : أمامها . ووراء من الأضداد ; كما قال تعالى : وكان وراءهم ملك [ الكهف : 79] ; أي : أمامهم . واختلف هل سترة الإمام نفسها سترة لمن خلفه ؟ أو هي سترة له خاصة ، والإمام سترتهم ؟ وسيأتي الكلام على ما يقطع الصلاة . والأتان في حديث ابن عباس : أنثى الحمر ، ويقال : حمار على الذكر والأنثى ; كما يقال : فرس على الذكر والأنثى .

التالي السابق


الخدمات العلمية