المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
809 (39) باب

أول مسجد وضع في الأرض ، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

[ 413 ] عن أبي ذر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول مسجد وضع في الأرض ؟ قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون عاما ، ثم الأرض لك مسجد ، فحيثما أدركتك الصلاة فصل .

رواه أحمد (5 \ 105)، والبخاري (3166)، ومسلم (520) (2)، والنسائي (2 \ 32)، وابن ماجه (753) .


[ ص: 114 ] (39) ومن باب : أول مسجد وضع في الأرض

قوله : وقد سأله أبو ذر عن أول مسجد وضع في الأرض : المسجد الحرام ; وهو مسجد مكة . والمسجد الأقصى : هو مسجد بيت المقدس ، وسمي بالأقصى ; لبعده عن الحجاز ، أو لبعده عن الأقذار والخبائث ، فإنه مقدس ، والمقدس : المطهر ، ومنه : القدس : السطل الذي يستقى به الماء .

وقوله : أربعون عاما - وقد سئل عن مدة ما بينهما - فيه إشكال ; وذلك أن مسجد مكة بناه إبراهيم بنص القرآن ; إذ قال : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل [ البقرة : 127 ] الآية . والمسجد الأقصى بناه سليمان - عليه السلام - كما خرجه النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثة : سأل الله تعالى حكما يصادف حكمه فأوتيه ، وسأل الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله تعالى حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه . وبين إبراهيم وسليمان آماد طويلة ; [ ص: 115 ] قال أهل التاريخ : أكثر من ألف سنة . ويرتفع الإشكال بأن يقال : الآية والحديث لا يدلان على أن بناء إبراهيم وسليمان لما بنيا ابتداء وضعهما لهما ، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما وبدأه ، وقد روي أن أول من بنى البيت آدم - عليه السلام - . فعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس بعده بأربعين عاما ، والله تعالى أعلم .

وفي الأم قول إبراهيم التيمي : كنت أقرأ على أبي القرآن في السدة ، فإذا قرأت السجدة سجد ، فقلت : يا أبت ! أتسجد في الطريق ؟ . . . ، الحديث ) كذا صح : السدة . ورواه النسائي : في السكة ، و " في بعض السكك " ، وهذا هو المطابق لقوله : أتسجد على الطريق ؟ لكن السدة هنا إنما عنى بها سدة الجامع ، وهي الظلال التي حوله ، ومنه سمي إسماعيل السدي ; لأن كان يبيع الخمر في سدة الجامع ، وكان التيمي يجلس فيها ويقرأ القرآن ، فإذا جاءت السجدة سجد .

التالي السابق


الخدمات العلمية