المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
811 [ 415 ] وعن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء . وذكر خصلة أخرى .

رواه مسلم (522) .


وقوله : وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ; هذا العموم وإن كان مؤكدا ، فهو مخصص بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في معاطن الإبل ; كما جاء في الصحيح ، وبما جاء في كتاب الترمذي من حديث ابن عمر - : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى في سبعة مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، وقارعة الطريق ، والمقبرة ، وفي الحمام ، وفي معاطن الإبل ، وفوق ظهر بيت الله تعالى . وقد كره مالك الصلاة في هذه المواضع ، وأباحها فيها غيره ، ولم يصح هذا الحديث عنده . واعتضد قائل الإباحة : بأن فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينقص منها شيء ; ذلك أن من فضائله وخصائصه أن جعل الأرض كلها مسجدا ، فلو خصص منها شيء لكان نقصا في فضيلته وما خصص به . قاله أبو عمر بن عبد البر . والصحيح ما صار إليه مالك ، من كراهة الصلاة في تلك المواضع ، لا تمسكا بالحديث ، فإنه ضعيف ; لكن تمسكا بالمعنى . وقد ذكرت علل الكراهية في كتب أصحابه ، فلتنظر هناك .

ويحتج على أبي عمر بالنهي عن الصلاة في معاطن الإبل وفي القبور ; فإن الحديث في ذلك صحيح . وتمنع الصلاة في المواضع النجسة ، فإن قال : ذلك [ ص: 119 ] للنجاسة العارضة ; قلنا : وكذلك كراهة الصلاة في تلك المواضع لعلل عارضة ، والله أعلم .

وقوله : وذكر خصلة أخرى ; ظاهره أنه ذكر ثلاث خصال ، وإنما هما اثنتان ، كما ذكر ; لأن قضية الأرض كلها خصلة واحدة ، والثالثة التي لم يذكرها بينها النسائي من رواية أبي مالك بسنده ، فقال : وأوتيت هذه الآيات : خواتم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطهن أحد قبلي ، ولا يعطاهن أحد بعدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية