المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
818 (41) باب

تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة ، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

[ 419 ] عن البراء بن عازب قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - وفي رواية : أو سبعة عشر شهرا - ، حتى نزلت الآية التي في البقرة : وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ البقرة : 144 ] فنزلت بعدما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فانطلق رجل من القوم ، فمر بناس من الأنصار وهم يصلون ، فحدثهم فولوا وجوههم قبل البيت .

رواه أحمد (4 \ 288)، والبخاري (40)، ومسلم (525) (11)، والترمذي (2966)، والنسائي (1 \ 243)، وابن ماجه (1010) .


[ ص: 125 ] (41) ومن باب : تحويل القبلة

قد تقدم القول في : الشطر في الطهارة . وأحاديث تحويل القبلة من الشام - من بيت المقدس - فيها مسائل أصولية :

المسألة الأولى : نسخ السنة بالقرآن ، أجازه الجمهور ، ومنعه الشافعي ، وهذه الأحاديث حجة عليه . وكذلك قوله تعالى : فلا ترجعوهن إلى الكفار [ الممتحنة :10 ] ; نسخ لما قرره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العهد والصلح على رد كل من أسلم من الرجال والنساء من أهل مكة ، وغير ذلك .

المسألة الثانية : رفع القاطع بخبر الواحد ; وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من الشريعة عندهم ، ثم إن أهل قباء لما أتاهم الآتي فأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام قبلوا قوله ، واستداروا نحو الكعبة ، فتركوا التواتر بخبر الواحد ، وهو مظنون . وقد اختلف العلماء في جوازه عقلا ووقوعه ; قال أبو حامد : والمختار : جواز ذلك عقلا لو تعبدنا الشرع به ، ووقوعه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدليل قصة قباء ، وبدليل أنه كان - عليه الصلاة والسلام - ينفذ آحاد الولاة إلى الأطراف ، وكانوا يبلغون الناسخ والمنسوخ جميعا ، لكن ذلك ممنوع بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - بدليل الإجماع من الصحابة على أن القرآن المتواتر المعلوم لا يرتفع بخبر الواحد ، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف ، وبسط ذلك في الأصول .

[ ص: 126 ] المسألة الثالثة : وهي أن النسخ إذا وجد من الشارع ، فهل يكون نسخا في حق من لم يبلغه الناسخ ؟ أو لا يكون نسخا في حقه حتى يبلغه ؟ اختلف فيه على قولين ، وفائدة الخلاف في هذه المسألة في عبادات فعلت بعد النسخ ، وقبل البلاغ : هل تعاد أو لا ؟ فإن قلنا بالأول ، أعادها ; إذ لم تكن عبادة في نفسها ، وقد نسخت . وإن تنزلنا على الثاني لم يعد ; إذ هو مخاطب بفعل ما قد تقرر الأمر به ، وهو الأولى . وقد رد إلى هذه المسألة مسألة الوكيل إذا تصرف بعد العزل وقبل العلم به ، فهل يمضي تصرفه أو لا ؟ قولان . وقد فرق القاضي عياض بين مسألة النسخ ومسألة الوكيل : بأن مسألة الوكيل تعلق بها حق الغير على الموكل ، فلهذا توجه الخلاف فيها . ولم يختلف المذهب عندنا في أحكام من أعتق ولم يعلم بعتقه : أنها أحكام حر فيما بينه وبين الناس ، فأما ما بينه وبين الله فجائزة . ولم يختلفوا في المعتقة أنها لا تعيد ما صلت - بعد عتقها وقبل علمها بغير ستر . وإنما اختلفوا فيمن يطرأ عليه موجب يغير حكم عبادة وهو فيها ; بناء على هذه المسألة .

المسألة الرابعة : قبول خبر الواحد ، وهو مجمع عليه من السلف ، معلوم بالتواتر من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في توجهه ولاته ورسله آحادا للآفاق ليعلموا الناس دينهم ، ويبلغوهم سنة رسولهم ; من الأوامر والنواهي ، والمخالف في ذلك معاند ، أو ناقص الفطرة .

وقول البراء : صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - أو سبعة عشر شهرا- . الصحيح : سبعة عشر ; من غير شك . وهو قول مالك وابن المسيب وابن إسحاق . ويروى : ثمانية عشر شهرا . وبعد سنتين . وبعد تسعة أشهر ، أو عشرة أشهر ، والصحيح ما ذكرناه أولا .

التالي السابق


الخدمات العلمية