المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
823 [ 422 ] وعنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

قالت : فلولا ذلك أبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا .


رواه أحمد (6 \ 34 و 80)، والبخاري (1330)، ومسلم (529)، والنسائي (2 \ 40 - 41) .


وقوله : أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا تلك الصور ، قال الشيخ : إنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصورة ، ويتذكروا بها أحوالهم الصالحة ، فيجتهدون كاجتهادهم ، ويعبدون الله [ ص: 128 ] تعالى عند قبورهم ، فمضت لهم بذلك أزمان ، ثم إنهم خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم ، ووسوس لهم الشيطان : أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها ، فعبدوها ، فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وشدد النكير والوعيد على فعل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك ، فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، فلا تتخذوا القبور مساجد ، أي : أنهاكم عن ذلك . وقال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " ، وقال : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأعلوا حيطان تربته ، وسدوا المداخل إليها ، وجعلوها محدقة بقبره - صلى الله عليه وسلم - ، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة - إذ كان مستقبل المصلين - ، فتتصور الصلاة إليه بصورة العبادة ، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره ، ولهذا الذي ذكرناه كله قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره .

[ ص: 129 ] تنبيه : وفي هذه الأحاديث ما يستدل به مالك - على صحة القول بسد الذرائع - على الشافعي وغيره من المانعين لذلك ، وهي مستوفاة في الأصول .

التالي السابق


الخدمات العلمية