المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
832 [ 427 ] وعن مصعب بن سعد ، قال : صليت إلى جنب أبي ، قال : وجعلت يدي بين ركبتي . فقال لي أبي : اضرب بكفيك على ركبتيك . قال : ثم فعلت ذلك مرة أخرى ، فضرب يدي وقال : إنا نهينا عن هذا وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب .

وفي رواية : فقلت بيدي هكذا ، يعني طبق بهما ووضعهما بين فخذيه ، فقال أبي : قد كنا نفعل هذا ، ثم أمرنا بالركب .

وفي أخرى : ثم أمرنا أن نرفع إلى الركب .

رواه مسلم (535)، والنسائي (2 \ 185)
[ ص: 132 ] (43) ومن باب : التطبيق

قوله : أصلى هؤلاء خلفكم ؟ هذه الإشارة إلى الأمراء ; عاب عليهم تأخيرها عن وقتها المستحب ، ويدل عليه آخر الحديث . وخلفكم : إشارة إلى موضعهم ، فكأنه قال : الذين خلفكم ، ولم يرد به أنهم أئمتهم ; إذ قد صلى بهم عبد الله - رضي الله عنه - .

وقوله : فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة : اختلف في صلاة الرجل وحده أو في بيته ، فذهب بعض السلف من أصحاب ابن مسعود وغيرهم إلى أنه تجزئه إقامة أهل المصر وأذانهم . وذهب عامة فقهاء الأمصار إلى أنه لا بد له من إقامة الصلاة ، ولا تجزئه إقامة أهل المصر ، ولا يؤذن . واستحب ابن المنذر أن يؤذن ويقيم .

وقوله : وذهبنا لنقوم خلفه ، فأخذ بأيدينا ، فجعل أحدنا عن يمينه ، والآخر عن شماله ; هذه الكيفية هي مذهب ابن مسعود ، والجمهور : على أنهما يقومان خلفه ، وسيأتي حديث ابن عباس حيث أقامه النبي - صلى الله عليه وسلم - وجابر بن عبد الله [ ص: 133 ] خلفه ، ولا خلاف أنهم إذا كانوا ثلاثة قاموا خلفه ، فإن كان واحدا قام عن يمينه على مذهب كافة العلماء ، وحكي عن ابن المسيب أنه يقوم عن شماله ; بحديث صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر في مرضه ، على ما تقدم . وما ذكر من تشبيك اليدين وتطبيقهما بين الفخذين هو مذهب ابن مسعود وأصحابه خاصة ، وهو صحيح من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنه منسوخ كما ذكر في حديث سعد بن أبي وقاص ، ولم يبلغ ابن مسعود نسخه ، والله أعلم . وعلى نسخ التطبيق كافة العلماء غير من ذكر .

وقوله : سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة : هذا وقع في بني أمية . وكذلك أخر عمر بن عبد العزيز العصر ، فدخل عليه عروة بن الزبير ، فأنكر عليه ، وهذا الحديث من أدلة نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إذ قد أخبر عن شيء من الغيب ، فوقع على نحو ما أخبر ، وكأن بني أمية كانوا قد ذهبوا إلى أن تأخير الصلاة إلى آخر وقت توسعتها أفضل ، كما هو قياس قول أبي حنيفة حيث قال : إن آخر الوقت هو وقت الوجوب .

وقوله : يخنقونها إلى شرق الموتى ; أي : يضيقون وقتها ، ويتركون أداءها إلى ذلك الحين ، يقال : هم في خناق من كذا ; أي : في ضيق منه . قال [ ص: 134 ] أبو عبيد : سأل الحسن بن محمد ابن الحنفية عن هذا الحديث ؟ فقال : ألم تر إلى الشمس إذا ارتفعت عن الحيطان ، وصارت بين القبور وكأنها لجة ، فذلك شرق الموتى . وقال الهروي في تفسير شرق الموتى : قال ابن الأعرابي : فيه معنيان :

أحدهما : أن الشمس في ذلك الوقت إنما تثبت ساعة ، ثم تغيب ، فشبه قلة ما بقي من الوقت ببقاء تلك الساعة .

والثاني : شرق الميت بريقه ، فشبه قلة ما بقي من الوقت بما بقي من حياة من شرق بريقه ، حتى تخرج روحه ، وقيل : شرق الموتى : إذا ارتفعت الشمس ، وقيل : هو اصفرار الشمس قبل غروبها .

وقوله : واجعلوا صلاتكم معهم سبحة ; أي : نافلة . وهذا لما يخشى من أذاهم ، ومن المخالفة عليهم .

وقوله : وليحن رواية العذري بضم النون ، من : حنوت العود ; إذا عطفته . ورواية أكثر الشيوخ : وليحن بكسر النون ، من : حنيت العود ، وهما [ ص: 135 ] لغتان . وعند الطبري : فليجنأ بالجيم ، وفتح النون ، وبهمز آخره ، وكلها صحيح . والمراد به الانحناء في الركوع ; وهو تعقف الصلب ، يقال : حنا على الشيء يحنو حنوا بالحاء ، وجنأ يجنأ جناء وجنوءا بالجيم والهمز : إذا فعل ذلك . وأصل الركوع في لغة العرب : الخضوع والذلة ; قال شاعرهم :


لا تعاد الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه

ثم هو في الشرع : عبارة عن التذلل بالانحناء ، وأقله عندنا تمكين وضع اليدين على الركبتين منحنيا ، وهو الواجب . وهل الطمأنينة واجبة ، أو ليست بواجبة ؟ قولان ، وعند أبي حنيفة : الواجب منه أقل ما يطلق عليه اسم المنحني .

والحديث الصحيح يرد عليه ، على ما يأتي إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية