المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
835 (44) باب

[جواز الإقعاء على العقبين]

[ 428 ] عن طاوس قال : قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين ، فقال : هي السنة . فقلنا له : إنا لنراه جفاء بالرجل . فقال ابن عباس : بل هي سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - .

رواه أحمد (1 \ 313)، ومسلم (536)، وأبو داود (845)، والترمذي (283) .


[ ص: 136 ] (44) ومن باب : جواز الإقعاء على العقبين

قول ابن عباس في الإقعاء : هي السنة ، قال أبو عبيد : الإقعاء : هو أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض ، وينصب ساقيه ، ويضع يديه بالأرض كما يفعل الكلب . قال : وفي تفسير الفقهاء : أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين نظر . وقال ابن شميل : الإقعاء : أن يجلس على وركيه ، وهو الاحتفاز ، والاستيفاز . وحكي عن الثعالبي أنه قال - في أشكال الجلوس عن الأئمة - : أن الإنسان إذا ألصق عقبيه بأليتيه قيل : إقعاء . وإذا استوفز في جلوسه كأنه يريد أن يثور للقيام قيل : احتفز ، واقعنفز ، وقعد القعفزاء . فإذا ألصق أليتيه بالأرض ، وتوسد ساقيه قيل : قرطش ، كذا وقع ، وصوابه : فرشط بالفاء ، وتقديم الشين المعجمة ، والطاء المهملة ، وقد ذكره أبو عبيد في المصنف .

قال القاضي عياض : والأشبه عندي - في تأويل الإقعاء الذي قال فيه ابن عباس أنه من السنة - الذي فسره به الفقهاء من وضع الأليتين على العقبين بين السجدتين ، وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس : من السنة أن تمس عقبيك أليتيك . وقد روي عن جماعة من السلف والصحابة : أنهم كانوا يفعلونه ، ولم يقل بذلك عامة فقهاء الأمصار ، وسموه : إقعاء . ووافق الشافعي مالكا في كراهية ذلك بين السجدتين ، وخالفه في استعمال ذلك عند الرفع من السجدة الثانية للقيام ، فأجازه ، وقال : ليس ذلك بإقعاء ، وإلى ذلك ذهب جماعة من أصحاب الحديث ; متمسكين بحديث مالك بن الحويرث : أنه - عليه الصلاة والسلام - كان إذا كان في وتر [ ص: 137 ] من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا . ومنع ذلك كافة الفقهاء ، ولعلهم رأوه من الإقعاء المكروه ، وحديث مالك بن الحويرث لعله لعذر أوجب ذلك ، أو ليبين : أنه ليس بحرام .

وقوله : إنا لنراه جفاء بالرجل ; كذا صحت الرواية منه - بفتح الراء ، وضم الجيم - ، وقيده أبو عمر بن عبد البر : بكسر الراء وسكون الجيم ، وكان يقول : من قال : بالرجل فقد صحف ، ولا معنى له . قال القاضي : والأوجه عندي رواية الجماعة ، ويدل عليه : إضافة الجفاء إليه في جلسته المكروهة عند العلماء ، وأما الرجل فلا وجه له .

التالي السابق


الخدمات العلمية