المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
856 [ 441 ] وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه ، فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ، ولكن عن شماله تحت قدمه .

رواه البخاري (405 و 417)، ومسلم (551)، والنسائي (1 \ 163 و 52 - 53)، وابن ماجه (1024) .


وقوله : فحكها بحصاة . زاد أبو داود فيه : ثم أقبل على الناس مغضبا ، وهذا يدل على تحريم البصاق في جدار القبلة ، وعلى أنه لا يتكفر بدفنه ، ولا بحكه ، كما قال في حلة المسجد : البصاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها ، فلو يكفر البزاق في القبلة بالحك لما غضب ; إذ قد كان تكفي الكفارة في ذلك - وهي الحك - ، كما اكتفى بها في حديث الأعرابي الذي وطئ في نهار رمضان ، ولم يذمه ولا غضب عليه . وقد ظهرت خصوصية جهة القبلة حيث نزلها منزلة الرب تعالى ، كما تقرر ، وظهر أيضا التخفيف في ساحة المسجد ; كما قد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه خيمة لسعد بن معاذ بعدما رمي في أكحله ، فكان الدم يسيل من خيمته إلى جهة الغفاريين ، هذا مع ما قيل : إن هذا كان لضرورة داعية إلى ذلك .

وقد ذكر مسلم في حديث جابر الطويل : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل مكان النخامة عنبرا . وروى النسائي الحديث الأول من طريق أنس ، فقال : غضب حتى احمر وجهه ، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها ، وجعلت مكانها خلوقا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أحسن هذا ! . ويصح الجمع بين هذه الأحاديث بأن يقال : كان ذلك في أوقات مختلفة : ففي وقت حكها - صلى الله عليه وسلم - وطيبها بيده ، ومرة أخرى فعلت هذه المرأة ما ذكر . ويمكن أن يقال : نسب الحك والطيب للنبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث الأمر به ، والمرأة من حيث المباشرة .

[ ص: 159 ] وفي هذا الحديث : استحباب أو جواز تطييب المساجد بالطيب ، وتنظيفها ; كما نص عليه أبو داود من حديث عائشة : أمر ببناء المساجد في الدور ، أن تطيب وتنظف . ومن حديث سمرة : ونصلح صنعتها .

ونهيه عن البصاق عن يمينه دليل : على احترام تلك الجهة ، وقد ظهر منه تأثير ذلك ، حيث كان يحب التيمن في شأنه كله ، وحيث كان يبدأ بالميامن في الوضوء والأعمال الدينية ، وحيث كان يعد يمينه لحوائجه ، وشماله لما كان من أذى . وقد علل ذلك في حديث أبي داود حيث قال : والملك عن يمينه ، بل وفي البخاري : عن يمينه ملكا . ويقال على هذا : إن صح هذا التعليل لزم عليه أن لا يبصق عن يساره ; فإن عليه أيضا ملكا ; بدليل قوله تعالى : عن اليمين وعن الشمال [ ق : 17 ] والجواب بعد تسليم أن على شماله ملكا : أن ملك اليمين أعلى وأفضل ، فاحترم بما لم يحترم غيره من نوعه ، والله تعالى أعلم . وهذا النهي مع التمكن من البصاق في غير جهة اليمين ، فلو اضطر إلى ذلك جاز .

وقوله : أو تحت قدمه بإثبات أو ، وفي الآخر : عن شماله تحت قدمه [ ص: 160 ] بغير أو ، هكذا الرواية . وظاهر : أو : الإباحة والتخيير ، ففي أيهما بصق لم يكن به بأس ، وإليه يرجع معنى قوله : عن شماله تحت قدمه ، فقد سمعنا من بعض مشايخنا : أن ذلك إنما يجوز إذا لم يكن في المسجد إلا التراب أو الرمل ، كما كانت مساجدهم في الصدر الأول ، فأما إذا كان في المسجد بسط ، وما له بال من الحصر مما يفسده البصاق ويقذره ، فلا يجوز احتراما للمالية ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية