المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
885 [ 459 ] وعن عبد الله بن بحينة قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين من بعض الصلوات ، ثم قام فلم يجلس ، فقام الناس معه ، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه ، كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ، ثم سلم .

زاد في رواية : وسجدهما الناس معه ، مكان ما نسي من الجلوس .

رواه البخاري (1230)، ومسلم (570) (85)، وأبو داود (1034 و 1035)، والترمذي (391)، والنسائي (3 \ 19 - 20)، وابن ماجه (1206) و (1207) .


(52) ومن باب : السهو في الصلاة

قال الإمام أبو عبد الله : أحاديث السهو كثيرة مشهورة ، والثابت منها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة أحاديث : حديث أبي هريرة الذي ذكر فيه أنه سجد سجدتين ، ولم يذكر موضعهما . وحديث أبي سعيد الخدري ، وهما جميعا فيمن شك كم صلى . وحديث ابن مسعود ، وذكر فيه : أنه قام إلى خامسة ، والسجود بعد السلام . وحديث ابن بحينة وفيه : القيام من اثنتين ، والسجود قبل السلام . وحديث ذي اليدين ، وفيه السلام من اثنتين والسجود بعد السلام .

[ ص: 177 ] قلت : وقد أغفل الإمام حديث عمران بن حصين ، وهو أنه سلم في ثلاث ، ثم صلى ركعة ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ، لكن لم يذكره ; لأنه رأى أنه في معنى حديث ذي اليدين . ويلزمه على هذا ألا يعد حديث أبي هريرة ; لأنه عنده في معنى حديث أبي سعيد ، والصحيح في عدد الأحاديث الصحيحة في السهو أنها ستة حسب ما نبهنا عليه .

قال الإمام : وقد اختلف الناس في طريق الأخذ بهذه الأحاديث ، فأما داود فلم يقس عليها ، وقال : إنما يستعمل ذلك فيما ورد فيه من الصلوات ، على حسب الترتيب في مواضع السجود المذكورة ، وقال ابن حنبل كقول داود في هذه الصلوات خاصة ، وخالفه في غيرها ، وقال : ما فيها من سهو فإن السجود كله قبل السلام . واختلف من قاس عليها من الفقهاء ، فبعضهم قال : إنما تفيد هذه الأحاديث التخيير ، وللمكلف أن يفعل أي ذلك شاء من السجود قبل أو بعد في نقص أو زيادة ، وهو قول مالك في المجموعة . وقال أبو حنيفة : الأصل ما فيه السجود بعد السلام ، ورد بقية الأحاديث إليه . وقال الشافعي : الأصل ما فيه السجود قبل السلام ، ورد بقية الأحاديث إليه . ورأى مالك : أن ما فيه النقص السجود فيه قبل السلام ، وأن ما فيه الزيادة يكون فيه السجود بعد ، وهل هذا الترتيب هو الواجب أو هو الأولى ؟ قولان للأصحاب . وسيأتي بيان متمسك كل فريق إن شاء الله تعالى .

وقوله : جاءه الشيطان فلبس عليه ، يروى مخفف الباء ومشددها ، وهي مفتوحة في الماضي ، مكسورة في المستقبل ، على كل حال معناه : خلط ، يقال : [ ص: 178 ] لبست عليه الأمر ، ألبسه ; أي : خلطته ، ومنه قوله تعالى : وللبسنا عليهم ما يلبسون فأما بكسر الباء في الماضي ، وفتحها في المستقبل ، فهو من لباس الثوب ، ومنه : ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق

وقوله : فليسجد سجدتين وهو جالس ، هذا الحديث مقصوده الأمر بالسجود عند السهو ، وهل ذلك بعد السلام ، أو قبل ؟ لم يتعرض له فيه ، وقد روي عن مالك والليث : أنهما حملا هذا الحديث على المستنكح ، وليس في الحديث ما يدل عليه ، وما قالاه ادعاء تخصيص ، ولا بد من دليله ، على أنه قد اختلف قول مالك في المستنكح ، هل عليه سجود أم لا ؟ بل نقول : إن في الحديث ما يدل على نقيض ما قالاه ، وهو قوله : فإذا وجد ذلك أحدكم ، وهذا خطاب لعموم المخاطبين ، وعمومهم السلامة من الاستنكاح ، فإنه نادر الوقوع ، وقد ذهب الحسن في طائفة من السلف ، إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث ، فقالوا : ليس على من لم يدر كم صلى ، ولا يدري هل زاد أو نقص غير سجدتين وهو جالس . وذكر عن الشعبي والأوزاعي وجماعة كثيرة من السلف : أن من لم يدر كم صلى أعاد أبدا حتى يتيقن ، والذي ذهب إليه الأكثر : أن يحمل حديث أبي هريرة على مفصل حديث أبي سعيد الآتي بعد هذا ، ويرد إليه ، لا سيما وقد زاد أبو داود في حديث [ ص: 179 ] أبي هريرة من طريق صحيحة : وهو جالس قبل أن يسلم ، فيكون مساويا لحديث أبي سعيد ، فهو هو ، والله أعلم .

ثم هذا الأمر بالسجود لمن سها ; على جهة الوجوب ، أو فيه تفصيل ؟ فيه خلاف ، فمن أصحابنا من قال : هو محمول على الندب ، أما في الزيادة فواضح ; لأنه ترغيم للشيطان ، وأما في النقصان فهو جبر للنقص ، وأرفع درجات الجبر أن يتنزل منزلة الأصل ، والأصل مندوب إليه ، فيكون الجبر مندوبا إليه ; لأن سجود السهو إنما يكون في إسقاط السنن - على ما يأتي - ، وعلى هذا لا يعيد من ترك السجود ، وقال بعض أصحابنا : السجود للنقص واجب ، وللزيادة فضيلة ، ثم اختلفوا : هل ذلك في كل نقص ، أو يختص بالوجوب ؟ إذا كان المسقط فعلا ولم يكن قولا ؟ روايتان .

التالي السابق


الخدمات العلمية