المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
914 (57) باب

كم يسلم من الصلاة ، وبأي شيء كان

يعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

[ 470 ] عن أبي معمر ، أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين ، فقال عبد الله : أنى علقها ؟! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله .

رواه مسلم (581) (117) .


(57) ومن باب : كم يسلم من الصلاة

قوله : إن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين ; هذا الأمير هو فيما أحسب : الحارث بن حاطب الجمحي ، وهو - والله أعلم - الذي ذكر أبو داود : أن أمير مكة خطب فقال : عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننسك لرؤيته ، فإن لم نره ، وشهد به شاهدا عدل ، نسكنا بشهادتهما ، والله أعلم .

وقول عبد الله بن مسعود : أنى علقها . . . ; أي : كيف حفظها ، وأصله من علاقة الحب . وهذا الاستبعاد من ابن مسعود يدل على أن عمل الناس كان على [ ص: 204 ] تسليمة واحدة . وقد اختلف العلماء في ذلك في حق الإمام والمأموم والمنفرد . فذهب الجمهور إلى أن الفرض في حقهم تسليمة واحدة ، وذهب أحمد بن حنبل وبعض أهل الظاهر إلى أن فرضهم اثنتان . قال الداودي : وأجمع العلماء على أن من سلم واحدة فقد تمت صلاته . وعلى هذا فالذي ذكر عن أحمد وأهل الظاهر محمول على أن التسليمة الثانية فرض ليست بشرط ، فيعصي من تركها ، ويقع التحلل بدونها . فإذا تنزلنا على قول من قال : إن الفرض واحدة ، فهل يختار زيادة عليها لجميعهم ، أو فيه تفصيل ؟ اختلف فيه ، فذهب الشافعي ومالك في غير المشهور عنه : أنه يستحب للجمع تسليمتان ، وذهب مالك في المشهور عنه : إلى أن الإمام والمنفرد يقتصران على تسليمة واحدة ، ولا يزيدان عليها . وأما المأموم فيسلم ثانية ، يرد بها على الإمام ، فإن كان عن يساره من سلم عليه ، فهل ينوي بالثانية الرد على الإمام وعليه ، أو يسلم ثلاثا ينوي بهما الرد على من سلم عليه ممن على يساره ؟ قولان . ثم إذا قلنا بالثالثة فهل يبدأ بعد الأولى بالإمام ، أو ممن على يساره ، أو هو مخير ؟ ثلاثة أقوال . وسبب الخلاف : اختلاف الأحاديث ; وذلك أن في حديث ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين . قال النسائي في حديث ابن مسعود : حتى نرى بياض خده الأيمن ، وبياض خده الأيسر . وفي حديث عائشة وسمرة بن جندب : كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه ، يميل إلى الشق الأيمن شيئا . وأحاديث التسليمتين أصح ، وأحاديث التسليمة الواحدة عمل عليها أبو بكر وعمر . ولم ير مالك في السلام من الصلاة زيادة : ورحمة الله وبركاته تمسكا بلفظ التسليم ، ورأى ذلك الشافعي تمسكا بحديث وائل بن حجر ; قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان يسلم عن [ ص: 205 ] يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وفي حديث ابن مسعود : السلام عليكم ورحمة الله - فقط - . ومعنى قول مالك - والله أعلم - : بأن التحلل يقع بالاقتصار على لفظ التسليم ، ولا يشترط في ذلك زيادة . ثم هل يشترط في السلام لفظ معين ، فلا يجزئ غيره ، أو يجزئ كل ما كان مأخوذا من لفظ السلام ؟ وبالأول قال مالك تمسكا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم ، والألف واللام حوالة على معهود سلامه - صلى الله عليه وسلم - . وكل من روى سلامه عين لفظه ، فقال : السلام عليكم ، وبالثاني قال الشافعي تمسكا بلفظ التسليم ، وحملا له على عموم ما يشتق منه ، وبإطلاق قول الراوي : إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم . وكل ما ذكرنا من أصول السلام وفروعه إنما هو على مذهب من يرى : أنه لا يتحلل من الصلاة إلا بالسلام . [وهم الجمهور] . وقد ذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي إلى أنه ليس من فروضها ، وأنه سنة ، وأنه يتحلل منها بكل فعل أو قول ينافيها . وذهب الطبري إلى التخيير في ذلك ، والأحاديث المتقدمة كلها ترد عليهم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية