المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
920 (58) باب

الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

[ 474 ] عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي امرأة من اليهود ، وهي تقول : هل شعرت أنكم تفتنون في القبور ؟ قالت : فارتاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : إنما تفتن يهود ، فقالت عائشة : فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور ؟ قالت عائشة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد يستعيذ من عذاب القبر .

وفي رواية ; قالت : فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر .

رواه أحمد (6 \ 89 و 271)، ومسلم (584) و (586) .


[ ص: 207 ] (58) ومن باب : الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

قول اليهودية : إنكم تفتنون في القبور ; أي : تعذبون . كما قال الله تعالى : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات [ البروج : 10 ] ; أي : عذبوهم . وقد قدمنا أن الفتنة تنصرف على وجوه ، وأن أصلها الاختبار .

وهذا الحديث وما في معناه يدل على صحة اعتقاد أهل السنة في عذاب القبر ، وأنه حق ، ويرد على المبتدعة المخالفين في ذلك ، وسيأتي إن شاء الله .

وارتياع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند إخبار اليهودية بعذاب القبر إنما هو على جهة استبعاد ذلك للمؤمن ، إذ لم يكن أوحي إليه في ذلك شيء . ولذلك حققه على اليهود ، فقال : إنما تفتن يهود ، على ما كان عنده من علم ذلك . ثم أخبر أنه أوحي إليه بوقوع ذلك ، وحينئذ تعوذ منه ، ولما استعظم الأمر واستهوله أكثر الاستعاذة منه ، [ ص: 208 ] وعلمها ، وأمر بها ، وبإيقاعها في الصلاة ; ليكون أنجح في الإجابة ، وأسعف في الطلبة ; إذ الصلاة من أفضل القرب ، وأرجى للإجابة ، وخصوصا بعد فراغها ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء .

وفي هذا الحديث حجة على أبي حنيفة ; حيث منع الدعاء في الصلاة إلا بألفاظ القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية