المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
948 [ 490 ] وعن أبي قتادة قال : بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع جلبة فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة . قال : فلا تفعلوا ، إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما سبقكم فأتموا .

رواه أحمد (2 \ 460)، والبخاري (635)، ومسلم (603) .


[ ص: 219 ] (62) ومن باب : إتيان الصلاة بالسكينة

قوله : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، أصل السعي : الجري ، ومنه قوله تعالى : يأتينك سعيا [ البقرة : 260 ] وقد يكون السعي : العمل ; كقوله تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها [ البقرة : 205] وعلى هذا الثاني حمل مالك قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة :9 ] وقد اختلف العلماء فيمن سمع الإقامة : هل يسرع أو لا ؟ فذهب الأكثر إلى أنه لا يسرع ، وإن خاف فوت الركعة ; تمسكا بهذا الحديث ، ونظرا إلى المعنى ; وذلك أنه إذا أسرع انبهر فتشوش عليه دخوله في الصلاة وقراءتها وخشوعها . وذهب جماعة من السلف ، [ ص: 220 ] منهم : ابن عمر وابن مسعود في أحد قوليه : إلى أنه إذا خاف فواتها أسرع . وقال إسحاق : يسرع إذا خاف فوت الركعة . وروي عن مالك نحوه ، وقال : لا بأس لمن كان على فرس أن يحرك الفرس . وتأوله بعضهم على الفرق بين الراكب والماشي ; لأن الراكب لا ينبهر كما ينبهر الماشي ، والقول الأول أظهر .

وقوله : " وائتوها تمشون عليكم السكينة " : بنصب السكينة على الإغراء ، كأنه قال : الزموا السكينة ، والسكينة والوقار : اسمان لمسمى واحد ; لأن السكينة : من السكون ، والوقار : من الاستقرار والتثاقل ، وهما بمعنى واحد . وقد علل ملازمة الوقار : بأن الماشي إلى الصلاة هو في الصلاة . ومعناه : أنه لما خرج من بيته إلى المسجد يريد الصلاة كان له حكم الداخل في الصلاة من الوقار حتى يتم له التشبه به ، فيتحصل له ثوابه . وفي كتاب أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعا : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا ; أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا .

وقوله : " ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " ، وفي الرواية الأخرى : صل ما أدركت ، واقض ما سبقك ، واختلف العلماء في الإتمام والقضاء المذكورين في هذا الحديث ; هل هما بمعنى واحد ؟ أو بمعنيين ؟ ويترتب على [ ص: 221 ] هذا الخلاف خلاف ، فيما يدركه الداخل : هل هو أول صلاته ؟ أو آخرها ؟ على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه أول صلاته ، وأنه يكون بانيا عليه في الأفعال والأقوال ، وإليه صار جمهور السلف ، والعلماء ، الشافعي وغيره .

وثانيها : أنه آخر صلاته ، وأنه يكون قاضيا في الأقوال والأفعال ، وهو مذهب أبي حنيفة . قال أبو محمد عبد الوهاب : وهو مشهور مذهب مالك .

وثالثها : أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال ، فيبني عليها ، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال ، فيقضيها ، وكأن هذا جمع بين الخبرين . وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن مالك وأصحابه . وسبب الخلاف ما أشرنا إليه . فتفهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية