المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
955 (63) باب

من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

[ 494 ] عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة .

وفي رواية : فقد أدرك الصلاة كلها .

رواه البخاري (580)، ومسلم (607)، وأبو داود (1121)، والترمذي (5024)، والنسائي (1 \ 274)، وابن ماجه (1122) .


(63) ومن باب : من أدرك ركعة من فعل الصلاة أول وقتها

وقوله : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها : ظاهر هذا الحديث لا يصح ، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " ، [ ص: 224 ] وبفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث فاتته ركعة من صلاته خلف عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ، فلما سلم عبد الرحمن قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى الركعة التي سبقه بها . وقد روى هذا الحديث أبو بكر البزار ، وقال : فقد أدرك الصلاة كلها ، إلا أنه يقضي ما فاته ، ولا خلاف في ذلك ، فتعين تأويل الحديث الأول . وقد تأوله بعض أصحابنا على تأويلين :

أحدهما : أنه أدرك فضل الصلاة كلها . وقد ذكر أبو عمر في التمهيد هذا الحديث ، ولفظه : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفضل " ، وقد رواه أبو أحمد بن عدي ، وقال : " فقد أدرك فضل الجماعة " . والصحيح اللفظ الأول .

والتأويل الثاني : أن معناه : أنه أدرك حكم الصلاة ; أي : يلزمه من أحكام الصلاة ما لزم الإمام من الفساد والسهو وغير ذلك . ويؤيد هذا التأويل : قوله : " مع الإمام " . وهذا اللفظ يبطل على داود وغيره قوله : إن هذا الحديث مردود إلى إدراك الوقت الذي يدل عليه قوله : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " ، وهذا ليس بصحيح من قولهم ، بل الحديثان مختلفان ، يفيدان فائدتين كما قررناه . ثم إذا تنزلنا على التأويل الأول - وهو إدراك فضل الجماعة - ، فهل يكون ذلك الفضل مضاعفا كما يكون لمن حضرها من أولها ، أو يكون غير مضاعف ؟ اختلف فيه على قولين : وإلى التضعيف ذهب أبو هريرة وغيره من السلف . وكذلك إن وجدهم قد سلموا عند هؤلاء كما قدمنا من ظاهر حديث أبي داود عن أبي هريرة ، حيث قال : أعطاه الله عز وجل من الأجر مثل أجر من [ ص: 225 ] حضرها وصلاها " . وإلى عدم التضعيف ذهبت طائفة أخرى ، وإلى هذا يشير قول أبي هريرة : " ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير " . ثم اختلفوا أيضا : هل يكون مدركا للحكم ، أو للفضل ، أو للوقت بأقل من ركعة ؟ فذهب مالك وجمهور الأئمة - وهو أحد قولي الشافعي - إلى أنه لا يدرك شيئا من ذلك بأقل من ركعة ، متمسكين بلفظ الركعة . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في القول الآخر : إلى أنه بالإحرام يكون مدركا لحكم الصلاة . واتفق هؤلاء : على إدراكهم العصر بتكبيرة قبل غروب الشمس . واختلفوا في الظهر ، فعند الشافعي في أحد قوليه : هو مدرك بالتكبيرة لهما ; لاشتراكهما في الوقت ، وعنه : أنه بتمام القامة للظهر يكون قاضيا لها بعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية