المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
956 [ 495 ] وعنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر .

رواه أحمد (2 \ 462)، والبخاري (556)، ومسلم (608) (163)، وأبو داود (412)، والترمذي (1116)، والنسائي (1 \ 257 - 258) .


وقوله : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " : هذا محمول عند مالك وأصحابه على أصحاب الأعذار ; كالحائض تطهر ، والمغلوب يفيق ، والصبي يبلغ ، والكافر يسلم ، والمسافر يقدم ، أو الحاضر يسافر وقد نسي صلاة . والذي حملهم على ذلك : روم الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا الباب ; وذلك أنه قد تقرر في حديث جبريل - عليه السلام - ، وفي حديث أبي موسى الأشعري ، وعمرو بن العاص وغيرهم : أن آخر وقت العصر [ ص: 226 ] إنما هو المثلان ، أو إذا اصفرت الشمس - على اختلاف الألفاظ - ، وقوله : " الوقت فيما بين هذين " . ثم جاء من حديث أنس الذم والتهديد والذم لمن يؤخر العصر إلى أن تكون الشمس بين قرني شيطان . وظاهر هذه الأحاديث يدل : على أن ما بعد هذه الحدود ليس وقتا للصلاة ، ولا يكون موقعها فيها مدركا لها ، وظاهر الحديث الأول : أنه يكون مدركا . فرأى أصحابنا : أن الوقت الأول المحدد ، وهو الوقت الأصلي لكافة المكلفين ، وهم السالمون عن الأعذار ، وأن الوقت الثاني لأصحاب الأعذار المذكورين . وهذه طريقة في الجمع حسنة ، والجمع أولى من الترجيح ، غير أن أصحابنا جزموا بهذا الأصل ; حيث جعلوا من ترك الصلاة متعمدا حتى بلغ بها إلى وقت الضرورة ، فصلاها مؤديا ، مع أنه قد عصى ، وذم بإخراج الصلاة عن آخر وقت توسعتها . وإذا كان هذا فلا معنى لتخصيصه بأصحاب الأعذار .

ثم هذه الركعة التي يدركون بها الوقت ، هي قدر ما يكبر فيه للإحرام ، ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ، ويركع ، ويرفع ، ويسجد سجدتين يفصل بينهما ، ويطمئن في كل ذلك - على قول من أوجب الطمأنينة - ، وعلى قول من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة ، يكفيه قدر تكبيرة الإحرام والوقوف لها . وأشهب لا يراعي إدراك السجود بعد الركعة . وسبب الخلاف : هل المفهوم من اسم الركعة الشرعية ، أم اللغوية ؟ [ ص: 227 ] وأما الركعة التي يدرك بها فضيلة الجماعة وحكمها ، بأن يكبر لإحرامه قائما ، ثم يركع ، ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه . وهذا مذهب الجمهور ; مالك وغيره . وروي عن أبي هريرة : أنه لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائما قبل أن يركعها معه ، وروي معناه عن أشهب . وروي عن جماعة من السلف : أنه متى أحرم والإمام راكع أجزأه ، وإن لم يدرك الركوع ، وركع بعد الإمام - كالناعس - اعتد بالركعة . وقيل : يجزئه وإن رفع الإمام ، ما لم يرفع الناس . وقيل : تجزئه إن أحرم قبل سجود الإمام . حكى هذه الأقوال القاضي عياض .

وقوله : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ظاهر هذا : أن لها وقت ضرورة كالعصر ، وهو أحد القولين عندنا ، وقيل : ليس للصبح وقت ضرورة ، بخلاف العصر ، والأول أظهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية