المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
978 (66) باب

الإبراد بالظهر في شدة الحر

[ 502 ] عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان الحر - وفي رواية - إذا اشتد الحر - فأبردوا عن الصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم .

وذكر : أن النار اشتكت إلى ربها ، فأذن لها في كل عام بنفسين : نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف .


وفي رواية : فما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم ، وما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم .

رواه أحمد (2 \ 462)، والبخاري (533)، ومسلم (615) (180) و (617) (186)، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي (1 \ 248 - 249)، وابن ماجه (677 و 678) .


(66) ومن باب : الإبراد في شدة الحر

قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة " أي : أخروها عن ذلك الوقت ، وادخلوا بها في وقت البرد ، وهو الزمن الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر وتوجد فيه برودة ما . يقال : أبرد الرجل ; أي : صار في برد النهار . و " عن " في [ ص: 244 ] قوله : " عن الصلاة " : بمعنى الباء ، كما قد روي في بعض طرقه : " أبردوا بالصلاة " . و "عن " تأتي بمعنى الباء ، كما يقال : رميت عن القوس ; أي : به . كما تأتي الباء بمعنى : عن ، كما قال الشاعر :


فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب



أي : عن النساء . وكما قيل في قوله تعالى : فاسأل به خبيرا [ الفرقان :59 ] أي : عنه ، وقيل : إن " عن " هنا زائدة ; أي : أبردوا الصلاة ، يقال : أبرد الرجل كذا : إذا فعله في برد النهار . " وفيح جهنم " : شدة حرها ، وشدة غليانها . يقال : فاحت القدر ، تفيح : إذا هاجت ، وغلت . والنفس : التنفس . [ فإذا تنفست في الصيف قوى لهيبها حر الشمس ، فزاد حرها وتضاعف ]، وإذا تنفست في البرد دفع حرها شدة البرد إلى الأرض ، وهو الزمهرير الذي ذكره . واختلف في معنى هذا الحديث ; فمن العلماء من حمله على ظاهره ، وقال : هو لسان مقال محقق ، وشكوى محققة ، وتنفس محقق ; إذ هو إخبار من الصادق بأمر جائز ، فلا يحتاج إلى تأويله . وقيل : إن هذا الحديث خرج مخرج التشبيه والتقريب ; أي : كأنه نار جهنم في الحر ، وقد تكون هذه الشكوى وهذه المقالة لسان حال ، كما قال :


شكا إلي جملي طول السرى     صبر جميل فكلانا مبتلى



والأول أولى ; لأنه حمل اللفظ على حقيقته ، ولا إحالة في شيء من ذلك .

[ ص: 245 ] وفيه دليل : على أن النار قد خلقت ، وأنها موجودة ، خلافا لما قالته المعتزلة وغيرهم من أهل البدع : أنها ستخلق في القيامة .

وقوله : " فما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم " . " أو " هذه يحتمل أن تكون شكا من الراوي ، فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهما ، فشك فيه الراوي ، فجمعهما بـ أو . ويحتمل : أن يكون ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - اللفظين ، فتكون " أو " للتقسيم والتنويع . والحرور : اشتداد الحر ، وفيحه بالليل والنهار . فأما السموم فلا يكون إلا بالليل . والزمهرير : شدة البرد . وبتأخير الظهر في شدة الحر ، قال مالك وأهل الرأي : ورأوا : أنها في ذلك الوقت أفضل . وقدر أصحابنا هذا الوقت بزيادة على ربع القامة إلى وسط الوقت ، وهذا في الجماعة عند أصحابنا . وقد اختلفوا في المنفرد : هل يبرد أم لا ؟ وقال الشافعي : تقديم الصلوات كلها للفذ والجماعة أفضل في الشتاء والصيف إلا للإمام الذي ينتاب إليه الناس من بعيد ، فيبرد بالظهر في الصيف دون غيره . ولم يقل أحد بالإبراد في غير الظهر إلا أشهب ، فقال به في العصر ، وقال : يؤخر ربع القامة . ورأى أحمد بن حنبل تأخير العشاء الآخرة في الصيف بالليل كما يؤخر الظهر ، وعكسه ابن حبيب ، فرأى تأخيرها في الشتاء ; لطول الليل ، وتعجيلها في الصيف ; لقصره .

التالي السابق


الخدمات العلمية