وقال 
ابن حجر  أيضا : اختلف أهل الكلام في أن 
كلام الله هل هو بحرف وصوت أم لا ؟ فقالت 
المعتزلة    : لا يكون الكلام إلا بحرف وصوت . والكلام المنسوب إلى الله تعالى قائم بالشجرة . وقالت 
الأشاعرة    : كلامه ليس بحرف ولا صوت ، وأثبتت الكلام النفسي ، وحقيقته : معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة ، كالعربية والعجمية ، واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه ، والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه . وأثبت الحنابلة أن الله تكلم بحرف وصوت . أما الحروف : فللتصريح بها في ظاهر القرآن ، وأما الصوت : فمن منع منه قال : إن الصوت هو الهواء المتقطع المسموع من الحنجرة ، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر ، وصفات الرب بخلاف ذلك . فلا يلزم المحذور  
[ ص: 194 ] المذكور ، مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه . ويجوز أن يكون من غير الحنجرة ، فلا يلزم التشبيه ، وقد قال
 nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد    : سألت أبي عن قوم يقولون : لما كلم الله 
موسى  لم يتكلم بصوت ؟ فقال لي أبي : بل يتكلم بصوت ، وهذه الأحاديث تروى كما جاءت . وذكر حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  وغيره ، قال 
أبو العباس بن تيمية  في الرد على الرافضي : اضطرب الناس في مسألة الكلام ، ولم يعرف أكثرهم قول 
السلف  فيها ، بل يذكرون قولين وثلاثة وأقل وأكثر ، مع أنها بلغت أقوالهم فيها إلى تسعة . أحدها : أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من المعاني ، إما من العقل الفاعل عند بعضهم ، أو من غيره عند بعض آخر ، وهو قول 
الصابئة  والمتفلسفة ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13251كابن سينا  وأمثاله . الثاني : قول 
المعتزلة    : أنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه . الثالث : 
للكلابية  والأشعرية  ونحوها : أنه معنى واحد قائم بذات الله ، ليس بحرف ولا صوت ، والكلام الذي بين الناس عبارة عنه ، وهو الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، فإن عبر عنه بالعربية : كان قرآنا ، وإن عبر عنه بالعبرية : كان توراة . الرابع : 
للسالمية  وطائفة من 
المتكلمين  والمحدثين ، أنه حروف وأصوات مجتمعة في الأزل وذكره 
الأشعري  عن طائفة نحو 
السالمية  ، فهو محدث مخلوق عندهم . الخامس : 
للكرامية  ونحوهم : أنه حروف وأصوات ; لكن تكلم الله تعالى بها بعد أن لم يكن متكلما . السادس : 
للرازي  في إشكاله مثلا ، وصاحب المعتبر : أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته . السابع : 
لأبي منصور الماتريدي    : أن كلامه يتضمن معنى قائما بذاته هو ما خلقه في غيره . الثامن : 
لأبي المعالي  ومن تبعه : أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات ، وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات . التاسع : أنه يقال : لم يزل الله متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء بكلام يقوم به ، وهو يتكلم بصوت يسمع ، وأن نوع الكلام قديم ، وإن لم يكن الصوت المعين قديما . وهذا القول : هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة . ومن أعظم القائلين به : إمامنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري   nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك  وعثمان بن سعيد الدارمي  ونحوهم .  
[ ص: 195 ] 
وقال 
الحافظ ابن حجر    : نص الإمام 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  في كتاب الرد على الجهمية : أن كلام الله غير مخلوق ، وأنه لم يزل متكلما إذا شاء كيف شاء ومتى شاء بلا كيف . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي    : قوله : إذا شاء ، أي أن يسمعنا . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد    : لم يزل الله يأمر بما شاء ويحكم . 
ثم قال 
ابن حجر    : وافترق أصحاب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  فرقتين . فمنهم من قال : كلامه لازم لذاته . والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة . ويسمع كلامه من شاء ، وأكثرهم أنه يتكلم بما شاء إذا شاء . وأنه نادى 
موسى  حين كلمه ، ولم يكن ناداه من قبل . والذي استقر عليه قول 
الأشعرية    : أن القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة . قال تعالى ( { 
فأجره حتى يسمع كلام الله   } ) ( { 
بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم   } ) وفي الحديث { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=46593لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهة أن يناله العدو   } وليس المراد ما في الصدور ، بل ما في المصحف . وأجمع 
السلف  على أن الذي بين الدفتين كلام الله تعالى . وقال بعضهم : القرآن يطلق ويراد به المقروء ، وهو الصفة القديمة ، ويطلق ويراد به القراءة . وهي الألفاظ الدالة على ذلك . وبسبب ذلك وقع الاختلاف . 
وأما قولهم عن الحروف والأصوات : فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة ، وهو من الصفات الموجودة القديمة . وأما الحروف : فإن كانت بحركات أو أدوات ، كاللسان والشفتين ، فهي أعراض ; وإن كانت كتابة فهي أجسام ، وقيام الأجسام والأعراض بذات الله محال ، ويلزم من أثبت ذلك أن يقول بخلق القرآن ، وهو يأبى ذلك ويفر منه . فألجأ ذلك بعضهم إلى أن ادعى قدم الحروف ، كما التزمته 
السالمية    . ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته . ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي 
السلف  عن الخوض فيها . واكتفوا باعتقاد أن القرآن غير مخلوق ، ولم يزيدوا على ذلك شيئا ، وهو أسلم الأقوال إن شاء الله تعالى وهو المستعان . وقال 
أبو العباس  أيضا : لم يكن في كلام الإمام 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  ولا الأئمة أن الصوت الذي تكلم به قديم ، بل يقولون : لم يزل الله متكلما إذا شاء بما شاء وكيف شاء ، كقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري   [ ص: 196 ]  nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك    . وقال ، رادا على الرافضي : من العلماء من يقول : لم يزل الله متكلما إذا شاء وكيف شاء . كقول أئمة الحديث والسنة ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16418كعبد الله بن المبارك   nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل  وغيرهما من أئمة 
السلف    . وقال : قد تنازع الناس في معنى كون القرآن غير مخلوق . هل المراد به أن نفس الكلام قديم أزلي كالعلم ، أو أن الله تعالى لم يزل موصوفا بأنه متكلم يتكلم إذا شاء ؟ على قولين . ذكرهما 
 nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي  عن 
أهل السنة  ، 
وأبو بكر عبد العزيز  في كتاب الشافي عن أصحاب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد    . وذكرهما 
أبو عبد الله بن حامد  في أصوله ا هـ . وقال 
الحافظ زين الدين بن رجب  في المناقب : ومن البدع التي أنكرها 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  في القرآن : قول من قال : إن الله تكلم بغير صوت . 
فأنكر هذا القول وبدع قائله . وقد قيل : إن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي  إنما هجره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  لأجل ذلك . انتهى . قال 
أبو العباس    : وهذا سبب تحذير 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  من 
 nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي  ونحوه من 
الكلابية    . كما أمر بهجر القائل بأن الله لما خلق الحروف انتصبت الألف وسجدت الباء ، وشدد في التنفير عنه . ولما أظهروا ذلك أمر بهجرهم كما أمر 
 nindex.php?page=showalam&ids=14479السري السقطي   nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد  أن يتقي بعض كلام 
 nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي    . فذكروا أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث  رحمه الله تاب من ذلك ، واشتهر علما وفضلا وحقائق وزهدا . ونقل عنه 
أبو بكر الكلاباذي    . وقالت طائفة من 
الصوفية    : كلام الله حروف وأصوات ، وأنه لا يعرف كلام إلا كذلك ، مع إقرارهم أنه صفة الله تعالى في ذاته ، وأنه غير محدث . قال : وهو 
 nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي  ، ومن المتأخرين 
ابن سالم    . قال 
ابن رجب    : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد    : سألت أبي عن إنكار 
الجهمية  كلام الله 
لموسى  ، وعن قوم أنكروا صوت الله تعالى ؟ فقال لي : بل تكلم الله بصوت . هذه الأحاديث يمرونها كما جاءت . وقال أبي : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود    " إذا تكلم الله سمع له صوت كمر السلسلة على الصفوان " وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17002محمد بن علي   عن 
يعقوب بن بختان  قال : سئل 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  عمن زعم أن الله لم يتكلم بصوت ؟ فقال : بل تكلم بصوت . هاتان الروايتان صحتا عن الإمام 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  بلا شك . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  في كتابه خلق أفعال  
[ ص: 197 ] العباد : ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=46594كان يحب أن يكون الرجل خفيض الصوت   } و { 
أن الله تعالى ينادي بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب ، فليس هذا لغير الله تعالى وفي هذا دليل على أن صوت الله تعالى لا يشبه صوت المخلوقين لأن [ صوت ] الله تعالى يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب ، وإن الملائكة يصعقون من صوته . فإذا نادى الملائكة لم يصعقوا   } وقال تعالى ( { 
فلا تجعلوا لله أندادا   } ) فليس لصفة الله ند ولا مثل ، ولا يوجد شيء من صفاته بالمخلوقين . هذا لفظه بعينه . وذكر حديثي 
ابن أنيس   nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود  ، وتقدما . 
قال العلامة 
المرداوي    . فإن قيل : أي المذاهب أقرب إلى الحق والتحقيق من الأقوال التسعة ؟ قلت : إن صحت الأحاديث بذكر الصوت فلا كلام ; في أنه أولى وأحرى وأصح من غيره ، مع الاعتقاد فيه بما يليق بجلال الله تعالى وعظمته وكبريائه من غير تشبيه بوجه ما ألبتة . ثم قال : وقد صحت الأحاديث بحمد الله تعالى ، وصححها الأئمة الكبار المعتمد عليهم ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251كأحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك  والرازي  وغيرهم ، حتى 
الحافظ ابن حجر  في زمننا . قال : وقد صحت هذه الأحاديث كلها في ذلك . وكذلك صححها غيرهم من المحدثين وغيرهم . وفيه كفاية وهداية ، ولولا أن الصادق المصدوق المعصوم قال ذلك ، لما قلناه ولا حمنا حوله . كما قال 
السهروردي  ذلك في عقيدته . فإن صفات الله سبحانه وتعالى لا تعرف إلا بالنقل المحض من الكتاب العزيز ، أو من صاحب الشريعة صلوات الله وسلامه عليه . فتصحيح هؤلاء وإثباتهم للأحاديث بذكر الصوت أولى من نفي من نفى أنه لم يأت في حديث واحد ذكر الصوت من وجوه . منها : أن المثبت مقدم على النافي . 
ومنها عظم المصحح وجلالة قدره وكثرة اطلاعه ، لا سيما في إثبات صفة الله تعالى مع الزهد العظيم والقدم المتين . أفيليق 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251بأحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري  ونحوهما من 
السلف  الصالح إثبات صفة لله من غير دليل ويدينون الله بها . ويعتقدونها ويهجرون من يخالفها من غير دليل صح عندهم ؟ فما الحامل لنا أو لهم على ذلك ؟ وهل يعتقد هذا مسلم في مسلم فضلا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري    . ثم الأسلم - بعد هذا المذهب من المذاهب التسعة - ما قاله 
ابن حجر    : الاكتفاء باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ولم يزيدوا  
[ ص: 198 ] على ذلك شيئا . وقال : وهذا أسلم الأقوال ، لشدة اللبس ونهي 
السلف  عن الخوض فيها . انتهى . والظاهر - والله أعلم - أن 
السلف  إنما اكتفى بذلك حسما لمادة الكلام فيه ، وما يترتب عليه من وقوع الناس فيما وقعوا فيه من الشبه الموجبة لخبط العقائد وسدا للذريعة ، لقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد    : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي . ومن قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق : مبتدع . وإنما أطلنا لأن غالب الناس في زمننا يزعمون أن القائل بأن الله يتكلم بصوت وحرف قديمين غير متعاقبين من فوق السماء بقدرته ومشيئته إذا شاء وكيف شاء ، كما قرر ، يكون كافرا . فهذا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري  وغيرهما ممن ذكرنا صرحوا بذلك . وقد سموا مخالفه مبتدعا . واستدلوا بحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة  وغيره . وقد أجمع على ذلك أصحاب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  من زمنه إلى زمننا ، ولم يغادر منهم أحد ، كما قال إمامهم . وصنفوا في ذلك كثيرا جدا . وإذا نظر المنصف في كلام العلماء المقتدى بهم . واطلع على ما قالوه في هذه المسألة علم الحق وعذر القائل ، وأحجم عن المقالات التي لا تليق بمسلم أن يعتقدها في مسلم ، وعلم أن هذه من جملة مسائل الصفات . ولهذا قال الحافظ العلامة 
ابن حجر    : قد صحت الأحاديث بذلك . فما بقي إلا التسليم أو التأويل ، فليس لأحد أن يدفع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : بعقله هذه الأحاديث مشكلة ، ويلزم منها المحذور العظيم . فيتبع قول هذا ، أو قول من اتبع الأحاديث على حكم صفات الله تعالى اللائقة بجلاله وعظمته ؟ بل قد صرح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد  في غير رواية منصوصة بجميع ذلك .