صفحة جزء
( وليس إجماع الأمم الخالية ) حجة عند المجد من أصحابنا وأكثر العلماء . قال أبو إسحاق الشيرازي : هذا قول الأكثر . وصرح به الآمدي وغيره . وقال أبو إسحاق الإسفراييني [ ص: 232 ] وبعض الشافعية : إنه كان حجة قبل النسخ . وقال إمام الحرمين : إن كان سندهم قطعيا فحجة ، أو ظنيا فالوقف . وقال أبو المعالي : إن قطع أهل الإجماع من كل أمة بقولهم : فهو حجة ، لاستناده إلى قاطع في العادة ، والعادة لا تختلف باختلاف الأمم . وإلا لكان مستنده مظنونا . والوجه الوقف ( و ) كذا ( لا ) يكون إجماع ( أهل المدينة حجة ) مع مخالفة مجتهد عند جماهير العلماء ; لأنهم بعض الأمة ، لا كلها ; لأن العصمة من الخطإ إنما تنسب للأمة كلها ، ولا مدخل للمكان في الإجماع ; إذ لا أثر لفضيلته في عصمة أهله ، بدليل مكة المشرفة .

وخالف في ذلك الإمام مالك رضي الله عنه . واحتج بأن القول الباطل خبث ، والخبث منفي عن المدينة بقول الصادق . { وإذا انتفى الباطل بقي الحق } . فوجب اتباعه . فقال بعض أصحابه بظاهره . وكذلك أطلق كثير من العلماء القول به عن مالك ، لكن قال بعضهم : ذلك في زمن الصحابة والتابعين . وعليه جرى ابن الحاجب وغيره . وقال بعضهم : في زمن الصحابة والتابعين ومن يليهم . ذكره المجد ( ولا قول الخلفاء الأربعة ) وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم أجمعين يكون إجماعا ، ولا حجة مع مخالفة مجتهد . وهذا المعتمد عند الأئمة ; لأنهم ليسوا كل الأمة الذين جعلت الحجة في قولهم . وعن الإمام أحمد رضي الله عنه : رواية أخرى : أن قولهم إجماع وحجة . اختاره ابن البنا من أصحابنا ، وأبو خازم - بالمعجمتين - وكان قاضيا حنفيا . وحكم بذلك زمن المعتضد في توريث ذوي الأرحام . فأنفذ حكمه . وكتب به إلى الآفاق . ولم يعتبر خلاف زيد في ذلك ، بناء على أن الخلفاء الأربعة يورثونهم . واستدل للأول بأن ابن عباس خالف جميع الصحابة في خمس مسائل في الفرائض ، وابن مسعود في أربع مسائل . وغيرهما في غير ذلك . ولم يحتج عليهم أحد بإجماع الخلفاء الأربعة ( ولا ) قول ( أهل البيت ، و ) أهل البيت ( هم : علي وفاطمة ) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ونجلاهما ) هما حسن وحسين ( رضي الله تعالى عنهم ) لما في الترمذي { أنه لما نزل قوله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } أدار النبي [ ص: 233 ] صلى الله عليه وسلم الكساء . وقال : هؤلاء أهل بيتي وخاصتي . اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا } ( بإجماع ، ولا حجة مع مخالفة مجتهد ) عند الأئمة الأربعة وغيرهم ، للأدلة العامة في ذلك وغيره . وقال القاضي في المعتمد وبعض العلماء والشيعة : إن قول أهل البيت إجماع . والمراد بالشيعة من ينسب إلى حب علي رضي الله عنه ، ويزعم أنه من شيعته . وقد كان في الأصل لقبا للذين ألفوه في حياته . كسلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمار . وغيرهم رضي الله عنهم ، ثم صار لقبا بعد ذلك على من يرى تفضيله على كل الصحابة ، ويرى أمورا أخرى لا يرضاها علي رضي الله عنه ، ولا أحد من ذريته ولا غيرهم ممن يقتدى به ، ثم تفرقوا فرقا كثيرة . وهؤلاء هم المراد بإطلاق الأصوليين وغيرهم " الشيعة " ( وما عقده أحد ) الخلفاء ( الأربعة من صلح ) كصلح بني تغلب ( و ) من ( خراج ) كعقد خراج السواد ( و ) من ( جزية ) وما جرى مجرى ذلك لا يجوز نقضه عند الأكثر .

ونقله ابن عقيل عن الأصحاب ، وقال أيضا : ويجوز ذلك إذا رأى ذلك الإمام . فيكون حكمه حكم رأيه في جميع المسائل ; لأن المصالح تختلف باختلاف الأزمنة . قلت : وهذا الصحيح عند أصحابنا المتأخرين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية