صفحة جزء
( واتفاق مجتهدي عصر بعد اختلافهم وقد استقر ) اختلافهم ( إجماع ) وحجة عندنا وعند الأكثر .

وذكر القاضي من أصحابنا : أنه محل وفاق . وقيل : إن كان المستند قطعيا كان إجماعا وحجة ، وإن كان المستند ظنيا فلا ، وخالف الباقلاني والآمدي وجمع ، وقالوا بامتناع ذلك لتناقض الإجماعين . وهما الاختلاف أولا ثم الاتفاق ثانيا ، كما إذا كانوا على قول فرجعوا عنه إلى آخر . ونقله ابن برهان في الوجيز عن الشافعي ، والمانع لذلك محجوج بالوقوع . كمسألة الخلافة لأبي بكر وغيرها .

قال ابن العراقي : ولا يخفى أن محل الخلاف إذا لم يشترط انقراض العصر فأما إن شرطناه ، فإنه يجوز قطعا ، وقاله غيره . قال ابن الحاجب : وكل من اشترط انقراض العصر قال : إجماع ( ولا يصح تمسك بإجماع فيما تتوقف صحته ) أي صحة الإجماع ( عليه كوجوده ) سبحانه و ( تعالى وصحة الرسالة ) ودلالة المعجزة ، لاستلزامه عليه لزوم الدور ( ويصح ) التمسك بالإجماع ( في غيره ) أي غير ما تتوقف صحة الإجماع عليه من أمر ( ديني ) كالرؤية و ( كنفي الشريك ) ووجوب العبادات ونحوها ; لأن الإجماع لا يتوقف على ذلك ، لإمكان تأخر معرفتها عن الإجماع بخلاف الأول ، وسواء كان الديني عقليا ، كرؤية الباري ، ونفي الشريك ، أو شرعيا كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وغيرها . قال ابن العراقي : لا خلاف فيه . قال ابن قاضي الجبل : صح اتفاقا ، وقطع به في المقنع وغيره ( أو ) من أمر ( عقلي ، كحدوث العالم ) وهذا الصحيح الذي عليه الأكثر . قال في المحصول : وأما حدوث العالم فيمكن إثباته : لأنه يمكننا إثبات الصانع بحدوث الأعراض ، ثم نعرف صحة النبوة ، ثم نعرف الإجماع به ; ثم نعرف [ ص: 243 ] حدوث الأجسام به . انتهى . وخالف في هذه إمام الحرمين مطلقا ، وأبو إسحاق الشيرازي في : كليات أصول الدين : كحدوث العالم وإثبات النبوة ، دون جزئياته ، كجواز الرؤية . انتهى . قال الكوراني : لا معنى للإجماع فيه ; لأنه إن كان قطعيا بالاستدلال ، فما فائدة الإجماع فيه إلا تعاضد الأدلة لا إثبات الحكم ابتداء .

وقال الإمام في البرهان : أي فائدة في الإجماع في العقليات ، مع أنه لا يجوز التقليد فيها ، ولو كان الإجماع حجة فيها كسائر الأحكام لم يجز إلا التقليد فيها وعدم المخالفة ( أو ) من أمر ( دنيوي . كرأي في حرب ) وتدبير أمر الجيوش وأمر الرعية . قال البرماوي : فيه مذهبان مشهوران ، المرجح منهما وجوب العمل فيه بالإجماع . وهذا ظاهر كلام القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم في حد الإجماع . واختاره ابن حمدان والآمدي وأتباعه ; لأن الدليل السمعي دال على التمسك به مطلقا من غير تقييد . فوجب المصير إليه . قال ابن قاضي الجبل : هذا قول الجمهور . وللقاضي عبد الجبار المعتزلي فيه قولان . أحدهما : المنع ، ووجهه : اختلاف المصالح بحسب الأحوال . فلو كان حجة لزم ترك المصلحة وإثبات المفسدة ، وقطع به الغزالي وصححه السمعاني ، وهو ظاهر كلام جمع من أصحابنا .

قال الكوراني : لا معنى للإجماع في ذلك . لأنه ليس أقوى من قوله صلى الله عليه وسلم ، وهو ليس دليلا لا يخالف فيه . يدل عليه قصة التلقيح حيث قال { أنتم أعلم بأمور دنياكم } والمجمع عليه لا يجوز خلافه ، وما ذكروه من أمر الحروب ونحوها إن أثم مخالف ذلك فلكونه شرعيا ، وإلا فلا معنى لوجوب اتباعه .

انتهى . وقيل : هو حجة بعد استقرار الرأي لا قبله ، ذكره ابن قاضي الجبل ( أو ) من أمر ( لغوي ) قال البرماوي : لا خلاف في ذلك ، ككون الفاء للتعقيب ، فقطع به . وقيل : يعتد بالإجماع فيه إن تعلق بالدين وإلا فلا .

ذكره القرطبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية