صفحة جزء
( ويرد ) ما رواه ( متساهل في روايته ) سماعا أو إسماعا كالنوم وقت السماع ، وقبول التلقين ، أو يحدث لا من أصل مصحح ونحوه . وقد [ ص: 279 ] نص عليه المحدثون ، وهو قادح في قياس قول أصحابنا وغيرهم : يحرم التساهل في الفتيا واستفتاء معروف به . وقبول الحديث ممن هو على هذه الصفة أولى بالتحريم .

وقد جزم به في المحصول وغيره ( و ) ما رواه ( مجهول عين ) على الصحيح وقطع به جمع ، منهم التاج السبكي وحكى البرماوي وغيره فيه خمسة أقوال . أحدها : لا يقبل مطلقا . وعليه الأكثر من المحدثين وغيرهم . والثاني : يقبل مطلقا . وهو رأي من لم يشترط في الراوي غير الإسلام . والثالث : إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل ، كابن مهدي ويحيى بن سعيد ، واكتفينا بالتعديل بواحد قبل وإلا فلا . والرابع : إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد والقوة في الدين ، قبل وإلا فلا ، وهو لابن عبد البر . والخامس : إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه ، قبل وإلا فلا . وهو لأبي الحسين بن القطان ( أو عدالة ) عطف على قوله " مجهول عين " يعني أنه لا تقبل رواية مجهول العدالة عند الأكثر منهم الإمام أحمد رضي الله عنه وأصحابه والمالكية والشافعية . وعند أحمد رواية ثانية : تقبل وفاقا لأبي حنيفة رضي الله عنه وأكثر أصحابه ، وابن فورك وسليم الرازي والمحب الطبري . ومن أصحابنا : الطوفي . كقبوله عقب إسلامه ، وإطلاق القبول عن أبي حنيفة وأصحابه نقله كثير من العلماء . وقال ابن مفلح في أصوله : وقالت الحنفية : إن رده جميعهم لم يقبل . وإن اختلفوا فيه قبل ، وإن لم يرد ولم يقبل جاز قبوله لظاهر عدالة المسلم ولم يجب . وجوز الحنفية القضاء بظاهر العدالة .

أما اليوم فتعتبر التزكية لغلبة الفسق . انتهى . ونقل البرماوي عن صاحب البديع وغيره من الحنفية : أن أبا حنيفة إنما قبل ذلك في صدر الإسلام حيث الغالب على الناس العدالة .

فأما اليوم فلا بد من التزكية لغلبة الفسق . انتهى . وقال أبو المعالي : يوقف ويجب الكف في التحريم إلى الظهور احتياطا . فلو كنا على اعتقاد في حل شيء فروى لنا مستور تحريمه ، فالذي أراه : وجوب الانكفاف عما كنا نستحله إلى تمام البحث عن حال الراوي . قال : وليس ذلك حكما بالحظر للترتيب على الرواية ، وإنما هو [ ص: 280 ] توقف في الأمر . والتوقف في الإباحة يتضمن الإحجام ، وهو معنى الحظر . فهو إذا حظر مأخوذ من قاعدة ممهدة . وهي التوقف عند عدم بدو ظواهر الأمور إلى استبانتها . فإذا ثبتت العدالة فالحكم بالرواية إذ ذاك . انتهى ( أو ضبط ) معطوف على " عدالة " يعني أنه ترد رواية مجهول الضبط كما ترد رواية مجهول العدالة ; لأن غير الضابط لا يؤمن من أن يدلس عليه . فاشترط ثبوت ضبطه ( لا رقيق ) يعني أنه لا ترد رواية الرقيق من أجل رقه لظاهر الأدلة . فإنها تشمله ( و ) لا ( أنثى ) لقبولهم خبر عائشة وأسماء وأم سلمة وأم سليم وغيرهن ، ولا فرق بين كون الأنثى حرة أو رقيقة ( و ) كذا لا ترد رواية ( قريب ) لكونه قريبا للراوي عنه ( و ) لا رواية ( ضرير ) لكونه ضريرا ( و ) لا ( عدو ) لكونه عدوا للراوي عنه ; لأن حكم الرواية عام للمخبر والمخبر ولا يختص بشخص فلا تهمة في ذلك ، بخلاف الشهادة ( و ) لا ترد أيضا رواية ( قليل سماع الحديث ) بل متى سمع ، ولو حديثا واحدا ، صحت روايته له ( و ) لا ترد أيضا رواية ( جاهل بمعناه ) أي معنى الحديث الذي يرويه ، ولا جاهل ب ( فقه وعربية ) عند الجمهور ، واعتبر الإمام مالك رضي الله عنه معرفة الفقه . ونقل عن أبي حنيفة مثله ، ونقل عنه أيضا : إنما تعتبر معرفته إن خالف ما رواه القياس . واحتجا بأن غير الفقيه مظنة سوء الفهم ووضع النصوص على غير المراد منها ، فالاحتياط للأحكام أن لا يروى عنه . واستدل للجمهور بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ورب حامل فقه وليس بفقيه } إسناده جيد . رواه أبو داود والنسائي والترمذي ، وحسنه . ورواه الشافعي وأحمد بإسناد جيد . وقوله صلى الله عليه وسلم { نضر الله } رواه الأصمعي : بتشديد الضاد المعجمة . وأبو عبيد بتخفيفها ، أي نعمه الله . وكانت الصحابة تقبل رواية الأعرابي لحديث واحد . وعلى ذلك عمل المحدثين . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه { فرب مبلغ أوعى من [ ص: 281 ] سامع } رواه ابن ماجه والترمذي وصححه . والجواب عما قالوا : أنا إنما نقبل روايته إذا روى باللفظ والمعنى المطابق وكان يعرف مقتضيات الألفاظ . والعدالة تمنعه من تحريف لا يجوز ( و ) لا ترد رواية ( عديم نسب ) كولد الزنا والمنفي باللعان ( و ) لا رواية ( مجهوله ) أي مجهول النسب ; لأن هؤلاء كلهم داخلون في عموم الأدلة .

فصحت روايتهم كغيرهم حيث لا مانع .

التالي السابق


الخدمات العلمية