صفحة جزء
( و ) قول ( تابعي : أمرنا ونهينا ، ومن السنة ، وكانوا يفعلون ) كذا ( ك ) قول ( صحابي ) ذلك ( حجة ) أي في الاحتجاج به عند أصحابنا .

وأومأ إليه الإمام أحمد رضي الله عنه ، لكنه كالمرسل . وخالف الشيخ تقي الدين في قوله " كانوا يفعلون كذا " وقال : ليس بحجة ، لأنه قد يعني من أدركه . كقول إبراهيم النخعي " كانوا يفعلون " يريد أصحاب عبد الله بن مسعود ( وأعلى مستند غير صحابي : قراءة الشيخ ) على الراوي عنه وهو يسمع ، سواء كانت قراءته إملاء أو تحديثا من حفظه أو من كتابه . إذا علمت ذلك ( فإن قصد ) الشيخ ( إسماعه وحده ، أو ) أن يسمعه ( و ) يسمع غيره ( قال ) أي ساغ للراوي أن يقول ( أسمعنا ، و ) أن يقول ( حدثنا وأخبرنا ) فلان ( وقل ) قول الراوي في مثل هذا ( أنبأنا ونبأنا ) فلان ( وهي ) أي هذه الألفاظ ( مرتبة ) أي في الرتبة ( كما ذكرت ) أي كما رتبت في الذكر .

قال الخطيب : أرفع الدرجات : سمعت ، ثم حدثنا . وحدثني ، ثم أخبرنا . وهو كثير في الاستعمال ، ثم أنبأنا ونبأنا ، وهو قليل في الاستعمال انتهى . وإنما كانت أسمعنا وحدثنا أرفع لما فيهما من الاحتراز من الإجازة . قال الإمام أحمد رضي الله عنه " أخبرنا " أسهل من " حدثنا " فإن حدثنا شديد . انتهى ( وله ) أي للراوي ( إفراد الضمير ) بأن يقول : سمعت أو حدثني ( و ) لو كان ( معه غيره ، و ) له ( جمعه ) أي جمع الضمير بأن يقول : سمعنا أو حدثنا ، ولو كان الراوي ( منفردا ) بالسماع . وهذا هو الصحيح عند الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره من العلماء ( وإلا ) أي وإن لم يقصد الشيخ الإسماع ( قال ) الراوي ( سمعت وحدث ، وأخبر وأنبأ ونبأ ) قطع به ابن مفلح وغيره . والرتبة الثانية من مستند غير الصحابي : ما أشير إليه بقوله ( ثم قراءته ) [ ص: 299 ] أي قراءة الراوي على الشيخ . والرتبة الثالثة : سماع الراوي قراءة غيره على الشيخ وهو يسمع ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو غيره ) أي غير الراوي ( على الشيخ ) ، ( ويقول فيهما ) أي قراءته ، وفي قراءة غيره ( حدثنا وأخبرنا قراءة عليه ) . ( ويجوز الإطلاق ) وهو أن لا يقول : قراءة عليه عند مالك وأبي حنيفة وأحمد والخلال وأبي بكر عبد العزيز والقاضي أبي يعلى وغيرهم . وعنه رواية ثانية لا يطلق . وقال جمع ; لأنه كذب . وفي الرواية بسماع قراءة غيره على الشيخ خلاف . والذي عليه أكثر أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم : الصحة . قال الحافظ ابن حجر : ووقع الإجماع عليه في هذه الأزمنة وقبلها . وحكي المنع عن أبي عاصم النبيل ووكيع ومحمد بن سلام وعبد الرحمن بن سلام الجمحي ( وسكوت الشيخ عند قراءة عليه بلا موجب ) لسكوته عن غفلة أو غيرها ( كإقراره ) قال ابن مفلح : عليه جمهور الفقهاء والمحدثين . قال : والأحوط أن يستنطقه بالإقرار به .

وشرط بعض الظاهرية إقرار الشيخ بصحة ما قرئ عليه نطقا . والصحيح : أن عدم إنكاره ، ولا حامل له على ذلك ، من إكراه أو نوم أو غفلة أو نحو ذلك : كاف . لأن العرف قاض بأن السكوت تقرير في مثل هذا ، وإلا لكان سكوته لو كان غير صحيح قادحا ( ويحرم ) على الراوي ( إبدال قول الشيخ حدثنا ب ) قول الراوي ( أخبرنا وعكسه ) وهو إبدال قول الشيخ " أخبرنا " بقول " الراوي " حدثنا ، لاحتمال أن يكون الشيخ لا يرى التسوية بين اللفظين فيكون ذلك كذبا عليه . وعنه : لا يحرم .

قال الشيخ تقي الدين : أخذها القاضي من قوله في رواية أحمد بن عبد الجبار : حدثنا وأخبرنا واحد . ونقله عنه سلمة بن شبيب أيضا ( و ) يحرم أيضا على الراوي ( رواية ما شك في سماعه ) ما دام شاكا . ذكره الآمدي إجماعا ; لأن الأصل عدم السماع ; ولأن ذلك شهادة على شيخه ( و ) كذا يحرم عليه رواية مروي ( بمشتبه بغيره ) أي بغير مروي . لأن كل واحد منهما يحتمل أنه غير الذي رواه ما دام لم يترجح عنده أحد المشتبهين أنه مسموعه ( و ) يحرم أيضا عليه : رواية ( مستفهم من غير الشيخ ) قال [ ص: 300 ] ابن مفلح بعد كلام تقدم : وظاهر ما سبق أنه ليس له أن يروي إلا ما سمعه من الشيخ فلا يستفهمه ممن معه ، ثم يرويه . وقاله جماعة خلافا لآخرين . انتهى . قال خلف بن تميم : سمعت من الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها . فكنت أستفهم جليسي . فقلت لزائدة . فقال : لا تحدث بها إلا ما تحفظ بقلبك وتسمع أذنك . قال : فألقيتها ( لا ) أن يروي ( ما ظنه مسموعه ) من غير اشتباه ( أو ) ظنه ( من مشتبه بعينه ) عند الإمام أحمد رضي الله عنه والأكثر عملا بالظن ( ولا يؤثر ) في صحة الرواية ( منع الشيخ ) الراوي ( من روايته عنه بلا قادح ) قال ابن مفلح بعد كلام تقدم .

وظاهر ما سبق ، أن منع الشيخ للراوي من روايته - ولم يسند ذلك إلى خطإ أو شك - لا يؤثر . وقاله بعضهم . انتهى ( ثم ) الرتبة الرابعة من مستند غير الصحابي : الرواية بالإجازة وتتفاوت ، وبجوازها قال الشافعي وأحمد رضي الله عنهما والأكثر من أصحابهما وبقية العلماء . وحكى الاتفاق على جوازها الباقلاني والباجي وغيرهما . واحتج ابن الصلاح عليه بأنه إذا جاز أن يروي عنه مروياته ، وقد أخبره بها جملة . فهو كما لو أخبره بها تفصيلا ، وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا ، كما في القراءة على الشيخ . وعلى هذا : يجب العمل بها كالحديث المرسل .

قاله ابن مفلح وغيره : ومنعها شعبة وأبو زرعة الرازي وإبراهيم الحربي من أصحاب الإمام أحمد وجمع كثير من الحنفية وبعض الشافعية والظاهرية . ونقله الربيع عن الشافعي . قال شعبة : لو صحت الإجازة لبطلت الرحلة . قال أبو زرعة : لو صحت لبطل العلم . ونقل ابن وهب عن مالك أنه قال : لا أرى هذا يجوز ولا يعجبني .

وقال أبو طاهر الدباس الحنفي : من قال لغيره : أجزت لك أن تروي عني ، فكأنه قال : أجزت لك أن تكذب علي ، وعند أبي حنيفة ومحمد إن علم المجيز ما في الكتاب ، والمجاز له ضابط : جاز ، وإلا فلا ، لما فيه من صيانة السنة وحفظها .

إذا علمت ذلك فأعلاها ( مناولة ) كتاب ( مع إجازة أو إذن ) في روايته عنه .

ويسمى هذا " عرض المناولة " كما أن سماع الشيخ يسمى " عرض القراءة " وهي [ ص: 301 ] نوعان أحدهما ما ذكرناه . وهي المناولة مع الإجازة أو الإذن . والرواية بهذا النوع جائزة . قال القاضي عياض في الإلماع : جائزة بالإجماع . وكذا قال المازري : لا شك في وجوب العمل به انتهى . لكن الصيرفي حكى الخلاف في المسألة . وأن المانع خرجه على الشهادة ، في الصك ولم يقرأ على المشهود عليه ، بل قال : اشهد علي بما فيه ، فإن القول بمنعه مشهور . كما ذكروه في كتاب القاضي إلى القاضي . ومما استدل به للمناولة بدون القراءة ما قاله البخاري : إن بعض أهل الحجاز احتجوا عليها بحديث { النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية كتابا . وقال ولا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا . فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس ، وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم } لكن أشار البيهقي إلى أنه لا حجة فيه ، وهو ظاهر لاحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأه عليه . فتكون واقعة عين يسقط فيها الاستدلال للاحتمال ، وأمير السرية : هو عبد الله بن جحش المجدع في الله تعالى . وذلك في رجب في السنة الثانية . والحديث رواه الطبري مرفوعا .

وصفة هذا النوع : أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل مرويه ، أو فرعا مقابلا به . ويقول : هذا سماعي ، أو مرويي بطريق كذا فاروه عني ، أو أجزت لك أن ترويه عني ، ثم يملكه إياه بطريق أو يعيره له ينقله ويقابله به .

وفي معناه : أن يجيء الطالب بذلك إلى الشيخ ويعرضه عليه ، فيتأمله الشيخ العارف اليقظ . ويقول : نعم هذا مسموعي ، أو روايتي بطريق كذا ، فاروه عني . وقد تقدم أنها جائزة ، وأنها منحطة عن رتبة السماع . وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور . وذهب ربيعة ومالك والزهري وابن عيينة وجمع إلى أنها كالسماع ( ولا تجوز ) الرواية ( بمجردها ) أي بمجرد المناولة من غير إجازة ولا إذن عند جماهير العلماء . وحكى الخطيب عن قوم أنهم صححوها . وبذلك قال ابن الصباغ . وعابها غير واحد من الفقهاء ، والأصوليين على المحدثين . ولم ير أبو حنيفة والشافعي وأحمد رضي الله تعالى عنهم ، وأكثر الفقهاء : إطلاق " حدثنا وأخبرنا " في المناولة مع الإجازة أو الإذن . وأجازه مالك [ ص: 302 ] والزهري وجمع ، لأنها عندهم كالسماع ( ويكفي اللفظ ) يعني أنه لو كان الكتاب بيد المجاز له أو على الأرض ونحوه ، وأجازه به : جاز ، ولا يشترط فيها فعل المناولة لأنه لا تأثير لها ( ومثلها ) أي ومثل المناولة ( مكاتبة مع إجازة ، أو ) مع ( إذن ) بشرط أن يعلم المكتوب إليه أنه خط الكاتب ، أو يظنه بإخبار ثقة أو غير ذلك .

قال العراقي في شرح منظومته : المكاتبة أن يكتب الشيخ شيئا من حديثه بخطه ، أو يأمر غيره فيكتب عنه بإذنه إلى غائب عنه ، أو حاضر عنده . فهذان نوعان . أحدهما : أن يجيزه مع ذلك . فتجوز الرواية به على الصحيح كالمناولة وعليه أكثر العلماء ، حتى قال بعضهم : إنه كالسماع ; لأن الكتابة أحد اللسانين . وقد : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ الغائب بالكتابة إليه } . وكان صلى الله عليه وسلم يكتب إلى عماله تارة ، ويرسل أخرى . ومنع قوم من الرواية بالكتابة ، وأجابوا عن كتب النبي صلى الله عليه وسلم بأن الاعتماد على الأخبار المرسلة على يديه ( ثم ) يلي المناولة والمكاتبة في الرتبة ( إجازة خاص لخاص ) كقوله : أجزت لفلان أن يروي عني كتاب كذا مع غيبة الكتاب . وإلا فهي المناولة ، فإجازة عام لخاص كقوله : أجزت لفلان أن يروي عني جميع مروياتي ( فعكسه ) وهي إجازة خاص لعام . كقوله : أجزت للمسلمين أو لمن أدرك حياتي أو لكل أحد : أن يروي عني كتابي الفلاني ( ف ) إجازة ( عام لعام ) كقوله : أجزت لكل أحد أن يروي عني جميع مروياتي . ذكر هذين القسمين - وهما إجازة الخاص للعام والعام للعام - القاضي أبو يعلى وغيره ، وقاله أبو بكر عبد العزيز في إجازة العام للعام ، ومنع هذا الأخير جماعة . وجوزه الخطيب وغيره . وفعله ابن منده وغيره . فقال : أجزت لمن قال لا إله إلا الله . وجوز أبو الطيب الإجازة لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة . وقال ابن الصلاح : لم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به استعمل هذه الإجازة ولا من الشرذمة المجوزة ، والإجازة في أصلها ضعف ، وتزداد بهذا التوسع ضعفا كبيرا لا ينبغي احتماله . وقال العراقي في شرح منظومته : ممن [ ص: 303 ] أجازها أبو الفضل ابن خيرون البغدادي وابن رشد المالكي والسلفي وغيرهم .

ورجحه ابن الحاجب ، وصححه النووي في زيادة الروضة ( ثم مكاتبة بدونها ) أي بدون إجازة ، بل كتب إليه يخبره بقراءته الكتاب الفلاني على الشيخ الفلاني فقط . وظاهر كلام الإمام أحمد رضي الله عنه والخلال : الجواز . فإن أبا مسهر وأبا توبة كتبا إليه بأحاديث وحدث بها ، وهو الأشهر للمحدثين . واختاره كثير من المتقدمين .

حتى قال ابن السمعاني : إنها أقوى من الإجازة . وجزم به الرازي في المحصول ، وفي البخاري في كتاب الأيمان والنذور " وكتب إلي محمد بن بشار " وفي مسلم عن عامر بن سعيد بن أبي موسى " كتب إلي جابر بن سمرة " وللشافعية خلاف . وقد تقدم ما فيها من الخلاف مع الإجازة ، فمع عدمها أقوى ( ويكفي ) في جواز الرواية بالمكاتبة ( معرفة خطه ) أي أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب عندنا وعند الأكثر ، ويكفي الظن في ذلك المعتمد على إخبار عدل على الصحيح .

وحكى أبو الحسين بن القطان عن بعضهم : أنه لا يكفي في ذلك إلا عدلان يشهدان على الكاتب بأنه كتبه على حد شرط كتاب القاضي إلى القاضي ( وتجوز إجازة بمجاز به ) في الأصح . كأجزت لك مجازاتي ، أو أجزت لك ما أجيز لي روايته . وهذا هو الصحيح . وعليه العمل ، خلافا لبعض المتأخرين . وقد كان الفقيه نصر المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة

التالي السابق


الخدمات العلمية