صفحة جزء
( و ) تجوز الإجازة ( لطفل ، ومجنون وغائب وكافر ) ليروي الطفل ما أجيز به إذا بلغ ، والمجنون إذا عقل ، والكافر إذا أسلم . وقد وقعت مسألة الكافر في زمن الحافظ أبي الحجاج المزي بدمشق . وكان طبيبا سمي بعد إسلامه محمدا . وكان أبوه يسمى عبد السيد - يسمع الحديث وهو يهودي على أبي عبد الله محمد بن عبد الله الصوري . وكتب اسمه في طبقات السماع مع الناس ، وأجاز ابن عبد المؤمن لمن سمعه ، وهو من جملتهم ، وكان السماع والإجازة بحضرة المزي الحافظ ، وبعض السماع بقراءته ولم ينكره . ثم هدى الله اليهودي إلى الإسلام . وحدث بما أجيز له . وتحمل الطلاب عنه . قال الحافظ عبد الرحيم العراقي [ ص: 304 ] ورأيته ولم أسمع منه ( لا ) ل ( معدوم ) فلا تصح الإجازة له ( مطلقا ) لا بالأصالة كأجزت لمن يولد لك ، ولا بالتبعية ، كأجزت لك ولمن يولد لك في ظاهر كلام جماعة من أصحابنا . وقاله غيرهم . لأنها محادثة أو إذن في الرواية ، بخلاف الوقف على من سيولد تبعا لمن ولد . وأجازها أبو بكر بن أبي داود من أصحابنا . فإنه لما سأله إنسان الإجازة . قال : قد أجزت لك ولأولادك ، ولحبل الحبلة ، يعني لمن يولد بعد ( ولا تصح ) أيضا إجازة ( لمجهول ) كأجزت لرجل من الناس ( ولا بمجهول ) كأجزت لك أن تروي عني بعضا من مروياتي ، وجوز القاضي أبو يعلى وابن عمروس المالكي : أجزت لمن شاء فلان . والصحيح : خلاف ذلك ، وهو عدم الصحة في ذلك لما فيه من الجهالة والتعليق . أما لو استجيز لمن سمي ونسب له . فلا يقدح في صحة الإجازة جهله بشخصه ، كما لا يقدح عدم معرفته بمن هو حاضر يسمعه بشخصه ( ولا ) تصح إجازة ب ( ما لم يتحمله ) المجيز ( ليرويه عنه ) المجاز ( إذا تحمله ) المجيز . قال القاضي عياض : لم أرهم تكلموا عليه . ورأيت بعض العصريين يفعله . لكن قال عبد الملك الطبني : كنت عند القاضي أبي الوليد يونس بقرطبة فسأله إنسان الإجازة بما رواه وما يرويه بعد ، فلم يجبه فغضب . فقلت : يا هذا يعطيك ما لم يأخذ ؟ فقال أبو الوليد : هذا جوابي . قال القاضي عياض : وهو الصحيح . وصححه صاحب التحرير تبعا له ، وهو ظاهر لما فيه من التعليق ( ويقول ) مجاز له حيث صحت الإجازة ( أجاز لي ) فلان ، أو أجاز لنا باتفاق على جواز ذلك ; لأنه إخبار بالحال على وجهه ( ويجوز ) أن يقول ( حدثني وأخبرني إجازة ) وحدثنا وأخبرنا إجازة عند أصحابنا وأكثر العلماء ، ومنع قوم " حدثنا " دون " أخبرنا " قال البرماوي : وجوز أبو نعيم وأبو عبد الله المرزباني أن يقول : أخبرنا دون حدثنا ( لا إطلاقهما ) أي لا يجوز أن يطلق حدثني وأخبرني من غير أن يقول إجازة ( فيهن ) أي في جميع صور الرواية بالإجازة اللاتي تقدم ذكرهن ، لما في ذلك من إيهام كون الرواية بالتحديث [ ص: 305 ] على الحقيقة ; لأنها الأصل المتبادر الفهم إليه ( ولا تجوز رواية بوصية بكتبه ) وقيل : بلى . قال أيوب لمحمد بن سيرين : إن فلانا أوصى إلي بكتبه ، أفأحدث بها عنه ؟ قال : نعم ، ثم قال لي بعد ذلك : لا آمرك ولا أنهاك . قال حماد : وكان أبو قلابة قال : ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا وإلا فأحرقوها ، وعلل ذلك القاضي عياض بأنه نوع من الإذن . قال ابن الصلاح : وهذا بعيد جدا ، وهو إما زلة عالم ، أو مؤول على أنه أراد أن يكون ذلك على سبيل الوجادة ، وأنكر عليهابن أبي الدم ذلك . وقال : الوصية أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف ، وهي معمول بها عند الشافعي وغيره . انتهى ( ولا ) تجوز الرواية أيضا ( بوجادة ) بكسر الواو ، مصدر مولد لوجد . فإن مادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني . فيقال في الغضب : موجدة ، وفي المطلوب وجودا ، وفي الضالة وجدانا - بكسر الواو - وفي الحب وجدا - بالفتح وفي المال وجدانا - بالضم - وفي الغنى جدة - بالكسر وتخفيف الدال المفتوحة ، وإجدانا - بكسر الهمزة ( وهي ) أي الوجادة في اصطلاح المحدثين ( وجدانه ) أي الراوي ( شيئا ) من الأحاديث مكتوبا ( بخط الشيخ ) الذي يعرفه ويثق بأنه خطه ، حيا كان الكاتب أو ميتا على الصحيح ( ويقول ) إذا أراد الإخبار بذلك ( وجدت بخط فلان ) كذا ، وإن لم يثق بأنه خطه فيقول : وجدت ما ذكر لي أنه خط فلان كذا ، ولا يقول : حدثنا ولا أخبرنا ، خلافا لمن جازف في إطلاق ذلك ( ولا ) تجوز الرواية أيضا ( بمجرد قول الشيخ : سمعت كذا ، أو هذا سماعي ) ، ( أو ) هذا روايتي ، أو هذا خطي . أما إذا قال عن فلان ، فقال ابن الصلاح : إنه تدليس قبيح إذا كان يوهم سماعه منه ( ويعمل ) وجوبا ( بما ظن صحته من ذلك ) أي : مما قلنا : إنه لا تجوز له روايته عند أصحابنا والشافعية ، يعني أنه لا يتوقف وجوب العمل على جواز الرواية . وذلك لعمل الصحابة بكتبه صلى الله عليه وسلم . قال ابن العراقي في شرح جمع الجوامع : قاله الشافعي ونظار أصحابه ونصره الجويني . واختاره جمع من المحققين . قال ابن الصلاح [ ص: 306 ] وهو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة . قال النووي : وهو الصحيح .

وهذا قول أصحابنا . وقيل : لا يجب العمل به . قال القاضي عياض : أكثر المحدثين ، والفقهاء من المالكية وغيرهم : لا يرون العمل به . انتهى . ومحل الخلاف إذا لم تخالفه صحيحة . فإن الاعتماد يكون عليها دون غيرها ( ومن رأى سماعه ولم يذكره فله روايته والعمل به إذا ظنه خطه ) فيكتفي بالظن على الصحيح عند أكثر أصحابنا . وقال المجد ، وفاقا للشافعي وأبي يوسف ومحمد : لا يعمل به إلا إذا تحقق أنه خطه . وقال أبو حنيفة : لا يجوز العمل به حتى يذكر سماعه . وجه الأول : أن غالب الأحكام مبناها على الظن . قال ابن مفلح : ولهذا قيل لأحمد : فإن أعاره من لم يثق به ؟ فقال : كل ذلك أرجو . فإن الزيادة في الحديث لا تكاد تخفى ; لأن الأخبار مبنية على حسن الظن وغلبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية