صفحة جزء
تنبيه : لا يختص جواز التخصيص بالنية بالعام ، بل يجري في تقييد المطلق بالنية . ولذلك لما قال الحنفية في " لا أكلت " إنه لا عموم فيه ، بل مطلق ، والتخصيص فرع العموم . اعترض عليهم بأنه يصير بالنية تقييدا ، فلم يمنعوه .

وهذه هي مسألة تخصيص العموم بالنية . ولا أكلت مثل قوله : وإن أكلت ، لأن النكرة في سياق الشرط تعم كالنفي ( ونفي المساواة للعموم ) عند أصحابنا والشافعية وعند الحنفية والمعتزلة والغزالي والرازي والبيضاوي : ليس للعموم . ويكفي النفي في شيء واحد . قال البرماوي : إن الخلاف في الاستدلال على أن المسلم لا يقتل بالذمي بقوله تعالى ( { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } ) فلو قتل به لثبت استواؤهما ، والاستدلال على أن الفاسق لا يلي عقد النكاح بقوله تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } ولو قلنا : يلي ، لاستوى مع المؤمن الكامل ، وهو العدل . ومن نفى العموم في الآيتين لا يمنع قصاص المؤمن بالذمي ، ولا ولاية الفاسق . ثم قال : واعلم أن مأخذ القولين في المسألة : أن الاستواء في الإثبات هل هو من كل وجه في اللغة أو مدلوله لغة الاستواء من وجه ما ؟ فإن قلنا : من كل وجه ، فنفيه من سلب العموم ، فلا يكون عاما .

وإن قلنا : من بعض الوجوه ، فهو من عموم السلب في الحكم ، لأن نقيض الإيجاب الكلي سلب جزئي ، ونقيض الإيجاب الجزئي سلب كلي . ولكن كون الاستواء في الإثبات عاما من غير صيغة عموم ممنوع . غايته : أن حقيقة الاستواء ثبتت . وقول الرازي وأتباعه : نفي الاستواء أعم من نفيه من كل وجه ومن نفيه من بعض الوجوه والأعم لا يلزم منه الأخص : مردود بما قال ابن الحاجب : وغيره . بأن ذلك في الإثبات أما نفي الأعم ، فيلزم منه انتفاء الأخص ، كنفي الحيوان ، فإنه [ ص: 374 ] يلزم منه نفي الإنسان . هذا إذا سلمنا أن الاستواء عام له جزئيات . أما إذا قلنا : حقيقة واحدة ، فإنه يلزم من نفيها نفي كل متصف بها ( والمفهوم مطلقا ) أي سواء كان مفهوم موافقة أو مخالفة ( عام فيما سوى المنطوق يخصص بما . يخصص به العام ) هذا عند الأكثرين من أصحابنا وغيرهم . قيل لأصحابنا : لو كان حجة لما خص ، لأنه مستنبط من اللفظ كالعلة ، فأجابوا بالمنع ، وأن اللفظ بنفسه دل عليه بمقتضى اللغة ، فخص كالنطق وقد قيل لأحمد في المحرم يقتل السبع والذئب والغراب ونحوه ؟ فاحتج بقوله تعالى { لا تقتلوا الصيد } - الآية لكن مفهوم الموافقة هل يعمه النطق ؟ فيه خلاف يأتي . قال ابن قاضي الجبل : قال الآمدي والرازي : الخلاف في المفهوم حجة ، له عموم لا يتحقق ، لأن مفهومي الموافقة والمخالفة عام في سوى المنطوق ، ولا يختلفون فيه ، لقوله صلى الله عليه وسلم { في سائمة الغنم الزكاة } يقتضي مفهومه سلب الحكم عن معلوفة الغنم ، دون غيرها على الصحيح . فمتى جعلناه حجة لزم انتفاء الحكم عن جملة صور المخالفة ، وإلا لم يكن للتخصيص فائدة . وتأولوا ذلك على أن المخالفين أرادوا : أنه لم يثبت بالمنطوق ، ولا يختلفون فيه . قيل : قولهم " المفهوم لا عموم له ، لأنه ليس بلفظ حتى يعم " لا . يريدون به سلب الحكم عن جميع المعلوفة ، لأنه خلاف مذهب القائلين بالمفهوم ، ولكنهم قد يذكرونه في معرض البحث ، فقد قالوا : دلالة الاقتضاء . تجوز رفع الخطإ ، أي حكمه : لا يعم حكم الإثم والغرم مثلا ، تقليلا للإضمار ، فكذلك يقال في المفهوم : هو حجة ، لضرورة ظهور . فائدة التقييد بالصفة .

ويكفي في الفائدة انتفاء الحكم عن صورة واحدة ، لتوقف بيانها على دليل آخر ، وإن لم يقل بذلك أهل المفهوم ، لكنه بحث متجه ( ورفع كله تخصيص أيضا ) لإفراده اللفظ في منطوقه ومفهومه ، فهو كبعض العام .

التالي السابق


الخدمات العلمية