صفحة جزء
( وشروطه ) أي شروط الاستثناء ( اتصال معتاد ) ثم إما أن يكون الاتصال المعتاد ( لفظا ) كذكر المستثنى عقب المستثنى منه ، ( أو ) يكون الاتصال المعتاد ( حكما ) كانقطاعه عنه بتنفس أو سعال أو عطاس . ويأتي به عقب ذلك ، فيشترط ذلك ( كبقية التوابع ) وعن ابن عباس " يصح ولو بعد سنة " قال ابن مفلح في أصوله : وروى سعيد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس " أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة " الأعمش مدلس ومعناه قول . طاوس ومجاهد ، وعن مجاهد أيضا " إلى سنتين " وعن ابن عباس أيضا " أنه يصح الاستثناء إلى شهر " وروي عنه " يصح أبدا " كما يجوز التأخير في تخصيص العام ، وبيان المجمل ، لكن حمل الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وجماعة من العلماء كلام ابن عباس . رضي الله عنهما . على نسيان قول " إن شاء الله " منهم القرافي . قال ابن جرير : إن صح ذلك عن ابن عباس فمحمول على أن السنة أن يقول الحالف " إن شاء الله " ولو بعد سنة . قال الحافظ أبو موسى المديني : إنه لا يثبت عن ابن عباس ، ثم قال : إن صح هذا عن ابن عباس ، فيحتمل أن المعنى : إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت ، وروي عن سعيد بن جبير : أنه أجازه أربعة أشهر . وقال بعض المالكية : يصح اتصاله بالنية ، وانقطاعه لفظا ، فيدين . قال الآمدي : فلعله مذهب ابن عباس . وعن أحمد رضي الله تعالى عنه : يصح في اليمين متصلا في زمن يسير إذا لم يخلط كلامه بغيره . وعنه أيضا : وفي المجلس . واختاره الشيخ تقي الدين وغيره . وروي عن الحسن وعطاء . وقيل : يصح ما لم يأخذ في كلام آخر . وقال أبو الفرج المقدسي : يصح ولو تكلم . وقيل : يجوز ذلك في القرآن خاصة . وحمل بعضهم كلام ابن عباس عليه . واستدل للمذهب الصحيح الذي في المتن بقول النبي صلى الله عليه وسلم { من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ; وليأت الذي هو خير } ولم يقل : أو ليستثن . وكذلك لما أرشد الله سبحانه وتعالى أيوب عليه الصلاة والسلام [ ص: 397 ] بقوله { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } جعل طريق بره ذلك .

وفي تاريخ بغداد لابن النجار : أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أراد الخروج مرة من بغداد ، فاجتاز بعض الطريق ، وإذا برجل على رأسه سلة فيها بقل ، وهو يقول لآخر : مذهب ابن عباس في تراخي الاستثناء غير صحيح .

ولو صح لما قال الله تبارك وتعالى لأيوب عليه السلام { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } بل كان يقول له : استثن ، ولا حاجة إلى التوسل إلى البر بذلك ، فقال الشيخ أبو إسحاق : بلدة فيها رجل يحمل البقل يرد على ابن عباس : لا تستحق أن يخرج منها . ومن لطيف ما يحكى : أن الرشيد استدعى أبا يوسف القاضي وقال له : كيف مذهب ابن عباس في الاستثناء ؟ فقال : يلحق عنده بالخطاب ، ويتغير الحكم به ولو بعد زمان ، فقال : عزمت عليك أن تفتي به ولا تخالفه . وكان أبو يوسف لطيفا فيما يورده ، متأنيا فيما يقوله ، فقال : رأي ابن عباس يفسد عليك بيعتك ، لأن من حلف لك وبايعك يرجع إلى منزله فيستثني . فانتبه الرشيد ، وقال : إياك أن تعرف الناس مذهبه في ذلك ، واكتمه . ووقع قريب من ذلك لأبي حنيفة مع المنصور .

التالي السابق


الخدمات العلمية