صفحة جزء
( ويعتبر ) لصحة النسخ ( تأخر ناسخ ) عن [ ص: 473 ] منسوخ ، وإلا لم يصدق عليه اسم ناسخ ( وطريق معرفته ) أي معرفة تأخر الناسخ من وجوه . أحدها : ( الإجماع ) على أن هذا ناسخ لهذا ، كالنسخ بوجوب الزكاة سائر الحقوق المالية . ومثله ما ذكر الخطيب البغدادي : أن زر بن حبيش قال لحذيفة { أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو النهار ، إلا أن الشمس لم تطلع } وأجمع المسلمون على أن طلوع الفجر يحرم الطعام والشراب ، مع بيان ذلك من قوله تعالى " { كلوا واشربوا } - الآية قال العلماء في مثل هذا : إن الإجماع مبين للمتأخر ، وإنه ناسخ لا إن الإجماع هو الناسخ .

( و ) الوجه الثاني من طريق معرفة تأخر الناسخ ( قوله صلى الله عليه وسلم ) نحو { كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها } وقريب من هذا : أن ينص الشارع على خلاف ما كان مقررا بدليل ، بحيث لا يمكن الجمع بين الدليلين على تأخر أحدهما ، فيكون ناسخا للمتقدم ( و ) الوجه الثالث ( فعله ) صلى الله عليه وسلم في ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله واختاره القاضي وأبو الخطاب ، وبعض الشافعية ، وقد جعل العلماء من ذلك نسخ الوضوء مما مست النار بأكله صلى الله عليه وسلم من الشاة ولم يتوضأ وهو ظاهر ما قدمه ابن قاضي الجبل ، ومنع ابن عقيل القول بفعله صلى الله عليه وسلم ، وحكي عن التميمي ، واختاره المجد في المسودة . لأن دلالته دونه .

( و ) الوجه الرابع من طرق معرفة تأخر الناسخ ( قول الراوي ) للناسخ ( كان كذا ونسخ ، أو رخص في كذا ثم نهي عنه ونحوهما ) كقول جابر رضي الله عنه { كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار } وكقول علي رضي الله عنه { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام للجنازة ، ثم قعد } وفي معنى ذلك كثير فإن قيل : قول الراوي ينسخ به القرآن والسنة المتواترة ، على تقدير وجودها ، مع أنه خبر آحاد ، والآحاد لا ينسخ به المتواتر ؟ قيل : هذا حكاية للنسخ ، لا نسخ ، والحكاية بالآحاد يجب العمل بها كسائر أخبار الآحاد وأيضا : فاستفادة النسخ من قوله : إنما هو بطريق التضمن ، والضمني : يغتفر فيه ما لا يعتبر فيما إذا كان أصلا ، [ ص: 474 ] كثبوت الشفعة في الشجر تبعا للعقار ونحوه ( لا ) قول الراوي ( ذي الآية ) منسوخة ( أو ذا الخبر منسوخ ، حتى يبين الناسخ ) للآية أو الخبر .

قال ابن مفلح : وإن قال صحابي : هذه الآية منسوخة لم يقبل حتى يخبر بماذا نسخت قال القاضي : أومأ إليه أحمد ، كقول الحنفية والشافعية قالوا : لأنه قد يكون عن اجتهاد فلا يقبل . وذكر ابن عقيل رواية أنه يقبل ، كقول بعضهم بعلمه ، فلا احتمال ; لأنه لا يقوله غالبا إلا عن نقل وقال المجد في المسودة : إن كان هناك نص يخالفها عمل بالظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية