صفحة جزء
( فصل : ) ( العلة ) التي هي أحد أركان القياس عند أهل السنة من أصحابنا وغيرهم ( مجرد أمارة وعلامة نصبها الشارع دليلا ) يستدل بها المجتهد ( على ) وجدان ( الحكم ) إذا لم يكن عارفا به . ويجوز أن يتخلف ، كالغيم هو أمارة على المطر ، وقد يتخلف وهذا لا يخرج الأمارة عن كونها أمارة . وقيل - وهو للمعتزلة - إن العلة مؤثرة في الحكم ، بناء على قاعدتهم في التحسين والتقبيح العقليين ثم قال بعضهم : إنها أثرت بذاتها وقال بعضهم : بصفة ذاتية فيها . وقال بعضهم : بوجوه واعتبارات وليس عند أهل السنة شيء من العالم مؤثرا في شيء ، بل كل موجود فيه ، فهو بخلق الله سبحانه ، وإرادته . وقيل : غير ذلك ( زيد ) أي وزاد بعضهم في الحد ( مع أنها ) أي العلة ( موجبة لمصالح دافعة [ ص: 489 ] لمفاسد ) ليست من جنس الأمارة الساذجة ، لكن على معنى أنها تبعث المكلف على الامتثال ، لا أنها باعثة للشرع على ذلك الحكم ، أو أنه على وفق ما جعله الله تعالى مصلحة للعبد تفضلا عليه ، وإحسانا له ، لا وجوبا على الله تعالى . ففي ذلك بيان قول الفقهاء : الباعث على الحكم بكذا هو كذا ، وأنهم لا يريدون بعث الشارع ، بل بعث المكلف على الامتثال ، مثل : حفظ النفس باعث على تعاطي فعل القصاص الذي هو من فعل المكلف أما حكم الشرع : فلا علة له ولا باعث عليه ، فإذا انقاد المكلف لامتثال أمر الله تعالى في أخذ القصاص منه ، وكونه وسيلة لحفظ النفوس كان له أجران ، أجر على الانقياد ، وأجر على قصد حفظ النفس ، وكلاهما أمر الله تعالى قال الله تعالى " { كتب عليكم القصاص } { ولكم في القصاص حياة }

ومن أجل كون العلة لا بد من اشتمالها على حكمة تدعو إلى الامتثال ، كان مانعها وصفا وجوديا يخل بحكمتها ، ويسمى مانع السبب ، فإن لم يخل بحكمتها ، بل بالحكم فقط ، والحكمة باقية ، سمي مانع الحكم . مثال المقصود هنا - وهو مانع السبب - الدين ، إذا قلنا : إنه مانع لوجوب الزكاة ; لأن حكمة السبب - وهو ملك النصاب - غنى مالكه ، فإذا كان محتاجا إليه لوفاء الدين فلا غنى ، فاختلت حكمة السبب بهذا المانع وبنى الأصحاب على كون العلة مجرد أمارة وعلامة صحة التعليل باللقب نص عليه الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وقاله الأكثر فلهذا قلنا ( فيصح تعليل بلقب ، ك ) ما يصح التعليل ( بمشتق ) .

مثال التعليل باللقب : تعليل الربا في النقدين بكونهما ذهبا وفضة ، وتعليل ما يتيمم به بكونه ترابا ، وما يتوضأ به بكونه ماء ، وقيل : لا يصح التعليل باللقب قال البرماوي : ووقع في المحصول حكاية الاتفاق على أنه لا يجوز التعليل بالاسم ، كتعليل تحريم الخمر بأنه يسمى خمرا قال : فإنا نعلم بالضرورة أن [ مجرد ] هذا اللفظ لا أثر له ، فإن أريد به تعليل المسمى بهذا الاسم من كونه مخامرا للعقل ، فذلك تعليل بالوصف لا بالاسم . وقولنا " كبمشتق ، اتفاقا " حكاه في جمع الجوامع . وذلك كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ونحو ذلك ، [ ص: 490 ] فهو جائز على أن المعنى المشتق ذلك منه هو علة الحكم ، نحو " { فاقتلوا المشركين } { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ، { مطل الغني ظلم } وغير ذلك مما لا ينحصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية