صفحة جزء
[ ص: 492 ] ( فصل ، من شروطها ) أي شروط العلة ( أن لا تكون محل الحكم ولا جزأه ) أي جزء محل الحكم ( الخاص ) عند الأكثر . وجوز قوم من العلل القاصرة : كون العلة محل الحكم أو جزء محله . فمثال كونها محل الحكم : قولنا الذهب ربوي ، لكونه ذهبا ، والخمر حرام ، لأنه مسكر معتصر من العنب ومثال كونها جزء محل الحكم الخاص به : كالتعليل باعتصاره من العنب فقط . وقيدنا الجزء بالخاص تحرزا من المشترك بين المحل وغيره . فإن ذلك لا يكون إلا في المتعدية ، كتعليل إباحة البيع بكونه عقد معاوضة . فإن جزأه المشترك - وهو " عقده " الذي هو شامل للمعاوضة وغيرها - لا يعلل به . واستدل للأول بأنها لو كانت للمحل كانت قاصرة . لأنه لو تحقق بخصوصه في الفرع ، اتحدا . وكذا جزؤه ( و ) أن ( لا ) تكون العلة ( قاصرة مستنبطة ) عند أكثر أصحابنا والحنفية . وإحدى الروايتين عن أحمد ، وعنه يصح كونها قاصرة مستنبطة ، كقول مالك والشافعي وأكثر أصحابهما .

وأما العلة القاصرة الثابتة بنص أو إجماع : فأطبق العلماء كافة على جواز التعليل بها ، وأن الخلاف إنما هو في المستنبطة ( وفائدة ثبوت العلة القاصرة ) ( : معرفة المناسبة ، ومنع الإلحاق : وتقوية النص ) ، ( وزيد ) على ذلك ( وزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجلها ) هذا جواب عن سؤال . تقديره : أنه لما كان الحكم مقررا بالنص أو الإجماع ، وكانت العلة لا توجد في غير محل النص أو الإجماع : كان إثباتها في محل لا يمكن تعديها منه إلى غيره عبثا لا فائدة فيه . فأجيب عن ذلك بأن في إثباتها فوائد . منها : معرفة مناسبة الحكم للحكمة ، إذ بالتعليل تعرف الحكمة ، وأن الحكم على وفق الحكمة والمصلحة . فيكون أدعى للقبول والانقياد مما لم تعلم مناسبته ، لكن قال في المقترح : إن السببية إنما جعلت لتعريف الحكم ، لا لما ذكر . وجوابه : أنه لا ينافي الإعلام طلب الانقياد لحكمه .

ومنها : إفادة المنع لإلحاق فرع بذلك ، لعدم حصول الجامع الذي هو علة في الأصل . واعترض بأن ذلك من المعلوم وموضوع القياس . فأين الفائدة المتجددة ؟ وأجيب بأنه لو وجد وصف آخر متعد لا يمكن القياس به حتى يقوم دليل على أنه [ ص: 493 ] أرجح من تلك العلة القاصرة ، بخلاف ما لو لم يكن سوى العلة المتعدية . فإنه لا يفتقر الإلحاق بها إلى دليل على ترجيح . ومنها : أن النص يزداد قوة بها . فيصيران كدليلين ، يتقوى كل منهما بالآخر . قاله ابن الباقلاني . وهو مخصوص بما يكون دليل الحكم فيه ظنيا . أما القطعي : فلا يحتاج إلى تقوية . نبه عليه أبو المعالي ومنها : ما قاله السبكي : أن المكلف يزداد أجرا بانقياده للحكم بسبب تلك العلة المقصودة للشارع من شرعه ، فيكون له أجران : أجر في امتثال النص ، وأجر بامتثال المعنى فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية