صفحة جزء
( و ) من شروط العلة أيضا ( أن لا تكون وصفا مقدرا ) غير حقيقي ، أي مفروضا لا حقيقة له ، كتعليل جواز التصرف بالبيع ونحوه بالملك . قال الرازي : والحق أنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة ، خلافا للفقهاء البصريين . قال صاحب تنقيح المحصول : أنكر الإمام وجمع تصوير التقدير في الشرع ، فضلا عن التعليل به . قال في شرح التحرير : قلت : الفروع الفقهية كثيرة بالتعليل بالأمور التقديرية ، لا يكاد أن يكون عندهم في ذلك خلاف ، وكأنها عندهم بمنزلة التحقيقيات . ألا ترى أن الحدث عندهم وصف وجودي مقدر قيامه بالأعضاء يرفعه الوضوء والغسل ، ولا يرفعه التيمم ونحو ذلك [ ص: 504 ] ( وقد تكون ) العلة ( حكما شرعيا ) عند الأكثر . وذكره أبو الخطاب عن أصحابنا ، وعلله بأنه أمارة ، والعلة التي يحتاج إلى إثباتها في الأصل المتعدية إلى الفرع . وأيضا قد يدور حكم مع حكم ، والدوران علة كما يأتي .

ومنعه آخرون ، قال ابن قاضي الجبل : اختلفوا في تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي ، كقولنا : من صح طلاقه صح ظهاره على أقوال . أحدها : الجواز ، وهو قول أصحابنا ، ذكره أبو الخطاب وطائفة من الأصوليين . وقيل : لا يجوز ، ويعزى إلى بعض المتكلمين وابن عقيل وابن المنى . وقيل : يجوز كونه علة ، بمعنى الأمارة ، لا في أصل القياس ; لأن العلة فيه تكون بمعنى الباعث ، لا بمعنى الأمارة . ا هـ ( وتكون صفة الاتفاق ) في مسألة ( و ) صفة ( الاختلاف ) في أخرى ( علة ) للحكم عند أصحابنا والأكثر ، كالإجماع حادث ، وهو دليل ، والاختلاف يتضمن خفة حكمه ، وعكسه الاتفاق ، كقولنا في المتولد بين الظباء والغنم : متولد من أصلين يزكى أحدهما إجماعا ، فوجب فيه ، كمتولد بين سائمة ومعلوفة . وقول الحنفية في الكلب : مختلف في حل لحمه ، فلم يجب في ولوغه عدد كالسبع . ومنعه بعضهم لحدوثها بعد الأحكام . وقاله القاضي في تعليقه ضمن مسألة النبيذ لنا ( ويتعدد الوصف ويقع ) يعني أنه يجوز التعليل بالوصف المتعدد عندنا وعند الأكثر ، ويسمى الوصف المركب ; لأن الذي يستدل به على العلة المفردة يستدل به على العلة المركبة ، فهما سواء .

وذلك كما نقول في قصاص النفس : قتل محض عدوان وقيل : لا ; لأن التعليل بالمركب يؤدي إلى محال . فإنه بانتفاء جزء منه تنتفي عليته ، فبانتفاء آخر يلزم تحصيل الحاصل ; لأن انتفاء الجزء علة لعدم العلية . رد لا نسلم أنه علة ، وإنما هو عدم شرط ، فإن كل جزء شرط للعلية . ولو سلم أنه علة ، فحيث لم يسبقه غيره إلى انتفاء جزء آخر ، كما في نواقض الوضوء .

( وما حكم به الشارع مطلقا ، أو في عين ، أو فعله ) الشارع ( أو أقره ) أي أقر الشارع غيره على فعله ( لا يعلل بمختصة ) أي بعلة مختصة ( بذلك الوقت ; بحيث يزول الحكم مطلقا ) بزوالها ( وقد تزول العلة ويبقى الحكم كالرمل ) قال ابن مفلح : قال بعض أصحابنا - وعنى به [ ص: 505 ] الشيخ تقي الدين - ما حكم به الشارع مطلقا ، أو في عين ، أو فعله ، أو أقره : هل يجوز تعليله بعلة مختصة بذلك الوقت ، بحيث يزول الحكم مطلقا ؟ جوزه الحنفية والمالكية ذكره في مسألة التحليل ، وذكره المالكية في حكمه بتضعيف الغرم على سارق الثمر المعلق ، والضالة المكتومة ، ومانع الزكاة ، وتحريق متاع الغال وهو شبهتهم أن حكم المؤلفة انقطع .

ومنعه أصحابنا والشافعية ، ثم قال بعضهم - يعني به الشيخ تقي الدين أيضا - قد تزول العلة ويبقى الحكم ، كالرمل . وقال بعضهم : النطق حكم مطلق ، وإن كان سببه خاصا فقد ثبتت العلة مطلقا . وهذان جوابان لا حاجة إليهما . واحتج بأن هذا رأي مجرد ، وبتمسك الصحابة ب " نهيه عن ادخار لحوم الأضاحي " في العام القابل . ومراده : أنه صح عن ابن عمر وأبي سعيد وقتادة بن النعمان ، وقول جابر " كنا لا نأكل ، فرخص لنا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية