صفحة جزء
[ ص: 510 ] المسلك ( الثاني ) من مسالك العلة ( النص ) من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ( ومنه ) أي من النص ما هو ( صريح ) وهو ما وضع لإفادة التعليل ، بحيث لا يحتمل غير العلة ( ك ) أن يقال ( لعلة ) كذا ( أو سبب ) كذا ( أو أجل ) كذا ( أو من أجل كذا ) نحو قوله تعالى " { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } وقوله صلى الله عليه وسلم { إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم { إنما نهيتكم - يعني عن ادخار لحوم الأضاحي - من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا } رواه مسلم . أي لأجل التوسعة على الطائفة التي قدمت المدينة أيام التشريق . والدافة : القافلة السائرة ، مشتقة من الدفيف ، وهو السير اللين ، ومنه قولهم : دفت علينا من بني فلان دافة . قاله الجوهري ( أو ) يقال ( كي ) يكون كذا ، سواء كانت مجردة من " لا " نحو قوله تعالى { كي تقر عينها ولا تحزن } أو مقرونة بها نحو { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } فلا يحصل للفقراء شيء ( أو ) يقال ( إذا ) ، نحو { قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب وقد قال له أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : إذا يغفر الله لك ذنبك كله } وفي رواية { إذا يكفيك الله هم الدنيا والآخرة } . ( وكذا ) يكون من الصريح ( إن ) المكسورة الهمزة المشددة النون عند القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب والآمدي وابن الحاجب وغيرهم ، نحو { قوله صلى الله عليه وسلم لما ألقى الروثة أما إنها رجس } { وقوله صلى الله عليه وسلم في الهرة إنها من الطوافين عليكم والطوافات } معللا طهارتها بذلك ( وهي ) يعني " إن " المشددة النون حال كونها ( ملحقة بالفاء آكد ) نحو قوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته { فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } وقوله صلى الله عليه وسلم في الشهداء { زملوهم بكلومهم ودمائهم ; فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما } ووجه كونها ملحقة بالفاء آكد لدلالتها على أن ما بعدها سبب للحكم قبلها . وعند البيضاوي وابن السبكي وغيرهما : أن التعليل ب " إن " من قسم الظاهر .

وعند ابن البناء وغيره : أن ذلك من قسم الإيماء ( وزيد ) أي وزاد بعضهم في قسم الصريح ( المفعول له ) نحو قوله تعالى { يجعلون أصابعهم في [ ص: 511 ] آذانهم من الصواعق حذر الموت } لأن { حذر الموت } علة للفعل ( و ) من النص أيضا ما هو ( ظاهر ) وهو ما يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا ( كاللام ) ثم تارة تكون ( ظاهرة ) ، أي ملفوظا بها ، نحو قوله تعالى { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور } { أقم الصلاة لدلوك الشمس } { ليذوق وبال أمره } وهو كثير ( و ) تارة تكون ( مقدرة ) نحو قوله تعالى { عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين } أي : لأن كان .

ومنه ما في الصحيحين في قصة الزبير من قول الأنصاري لما خاصمه في شراج الحرة " أن كان ابن عمتك " وكما يقال في الكلام : أن كان كذا . فالتعليل مستفاد من اللام المقدرة لا من " أن " ويدخل في هذا " إذا كان " الواقع بعد " أن " : " كان " وحذفت واسمها وبقي خبرها ، وعوض عن ذلك " ما " كقوله :

أبا خراشة ، أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع

أي لأن كنت ذا نفر ؟ وإنما لم تجعل اللام وما سيأتي بعدها من الصريح ; لأن كلا منها له معان غير التعليل ( والباء ) عطف على " كاللام " نحو قوله تعالى { فبما رحمة من الله لنت لهم } أي بسبب الرحمة وقوله تعالى { جزاء بما كانوا يكسبون } فهي - وإن كان أصل معناها الإلصاق ولها معان غيره - فقد كثر استعمالها في التعليل .

وعند الأصحاب وغيرهم ( إن قام دليل أنه ) أي إن المتكلم ( لم يقصد ) بكلامه ( التعليل ) فاستعمال أداة التعليل فيما لا يصلح علة ( مجاز ) ويعرف ذلك بعدم الدليل على عدم صلاحيته علة ( ك ) أن يقال لفاعل شيء ( لم فعلت ؟ فيقول : لأني أردت ) فإن هذا لا يصلح أن يكون علة ; لأن العلة في الاصطلاح : هو المقتضي الخارجي للفعل ، أي المقتضي له من خارج . والإرادة إما موجبة للفعل أو مصححة له ، فيكون قوله " لأني أردت " استعمال اللفظ في غير محله ، فيكون مجازا .

التالي السابق


الخدمات العلمية