صفحة جزء
الثالث : من القوادح ( فساد الوضع ، وهو أخص مما تلاه ) أي من فساد الاعتبار قال الجدليون في ترتيب الأسئلة : إن فساد الاعتبار مقدم على فساد الوضع ; لأن فساد الاعتبار نظر في فساد القياس من حيث الجملة ، وفساد الوضع أخص لأنه يستلزم عدم اعتبار القياس ; لأنه قد يكون بالنظر إلى أمر خارج عنه ، وممن قال إن فساد الاعتبار أعم : الهندي والتاج السبكي في جمع الجوامع وجماعة . قال العسقلاني : واعلم أن فساد الوضع أعم من فساد الاعتبار ; لأن القياس قد يكون صحيح الوضع ، وإن كان اعتباره فاسدا بالنظر إلى أمر خارج ، فكل فساد الوضع فساد الاعتبار ولا عكس . وهو ( كون الجامع ) بين الأصل والفرع ( ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم . كقول شافعي في مسح الرأس : مسح فسن تكراره كاستجمار . فيعترض ) على الشافعي ( بكراهة تكرار مسح الخف ) قال الطوفي وغيره : إنما سمي هذا فساد الوضع ; لأن وضع الشيء جعله في محله على هيئة أو كيفية ، فإذا كان ذلك المحل أو تلك الهيئة لا تناسبه كان وضعه على خلاف الحكمة فاسدا . فإذا اقتضت الحكمة نقيض الحكم المدعى أو خلافه : كان ذلك مخالفا للحكمة ، إذ من شأن العلة أن تناسب معلولها لا أنها تخالفه ، فكان ذلك فاسد الوضع بهذا الاعتبار ، ومن أمثلة ذي النص : قول الحنفية : الهرة سبع ذو ناب ، فيكون سؤره نجسا [ ص: 543 ] كالكلب . فيقال : السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة ، حيث { دعي إلى دار فيها كلب فامتنع . ودعي إلى أخرى فيها سنور ، فأجاب . فقيل له ، فقال : السنور سبع } رواه أحمد وغيره ، ومن أمثلة ذي الإجماع : قول الشافعية : ما في المتن ، وجواب المستدل عنه ببيان المانع لتعرض المسح لتلف الخف ، وسؤال فساد الوضع نقض خاص لإثباته نقيض الحكم فإن ذكر المعترض نقيض الحكم مع أصله ، فقال : لا يسن تكرار مسح الرأس كالخف فهو القلب .

لكن اختلف أصلهما ( ومنه ) أي ومن فساد الوضع ( كون الدليل على هيئة غير صالحة لاعتباره ) أي غير صالحة ; لأن يعتبر بها الدليل ( في ترتيب الحكم ) وهو نوعان ، أحدهما : أن يكون صالحا لضد ذلك الحكم . والثاني : أن يكون صالحا لنقيض ذلك الحكم . فالأول ( كتلقي تخفيف من تغليظ كقول حنفي : القتل جناية عظيمة ، فلا يجب فيها كفارة كبقية الكبائر ، فجناية عظيمة ) في قول المستدل ( تناسب التغليظ ) ( أو ) كتلقي ( توسيع من تضييق ، ك ) قول المستدل ( الزكاة مال واجب إرفاقا لدفع الحاجة ، فكان على التراخي كالدية على العاقلة ، فدفع الحاجة ) في قول المستدل ( يقتضي الفور ) .

والنوع الثاني : ما أشير إليه بقوله ( أو إثبات ) أي أن يتلقى إثبات ( من نفي ، ك ) قول المستدل ( المعاطاة في اليسير بيع لم يوجد فيه سوى الرضا ، فوجب أن يبطل كغيره . فالرضا ) في قول المستدل ( يناسب الانعقاد ) وإنما سمي هذا فساد الوضع ; لأن وضع القياس أن يكون على هيئة صالحة ; لأن يترتب على ذلك الحكم المطلوب إثباته . فمتى خلا عن ذلك فسد وضعه ( وجوابهما ) أي جواب النوعين المذكورين ( بتقرير كونهما كذلك ) أي بتقرير كون الدليل صالحا لاعتباره في ترتيب الحكم عليه ، كأن يكون للدليل جهتان ، ينظر المستدل فيه من إحداهما ، والمعترض من الأخرى ، كالارتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة . ويجاب عن الكفارة في القتل : بأن غلظ فيه بالقصاص فلا يغلظ فيه بالكفارة . ويجاب عن المعاطاة بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة ، لا على الرضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية