صفحة جزء
الرابع والعشرون من القوادح ( القلب ) وهو ( تعليق نقيض الحكم أو لازمه ) أي لازم نقيض الحكم ( على العلة ) التي يبديها المستدل ليثبت عليها ذلك الحكم ( إلحاقا بالأصل ) المقيس عليه . ويسمى هذا الضرب : قلب العلة . والضرب الثاني : يسمى قلب الدليل . وسيأتي .

فقلب العلة : بأن يبين المعترض أن ما ذكره المستدل من الدليل يدل عليه لا له ( فهو نوع معارضة ) عند أصحابنا ، وحكي عن الأكثر ، وقيل : إفساد ، وقيل : تسليم للصحة ( ثم ) هو أنواع . نوع ( منه قلب لتصحيح مذهبه ) أي مذهب المعترض ( مع إبطال مذهب [ ص: 570 ] المستدل صريحا ، ك ) قوله في ( بيع فضولي : عقد في حق الغير بلا ولاية ، فلا يصح كالشراء ) له . فيقول المعترض : تصرف في مال الغير ، فيصح كالشراء للغير . فإنه يصح للمشتري ، وإن لم يصح لمن اشترى له . ونوع منه يكون قلبا لتصحيح مذهبه مع إبطال مذهب المستدل من غير تصريح بإبطاله . وهو ما أشير إليه بقوله ( أو غيره ، ك ) قول الحنفي في الصوم في الاعتكاف ( الاعتكاف لبث محض ) في محل مخصوص . ( فلا يكون قربة بنفسه كالوقوف بعرفة ) وغرضه التعرض لاشتراط الصوم فيه ، ولكن لم يتمكن من التصريح به ; لأنه لا أصل له يقيسه عليه ( فيقال ) أي فيقول الحنبلي أو الشافعي معترضا : لبث في محل مخصوص ( فلا يعتبر فيه الصوم ، كالوقوف ) بعرفة .

ونوع منه أيضا ، وهو ما أشير إليه بقوله ( وقلب لإبطال مذهب المستدل فقط ) أي من غير تعرض لتصحيح مذهب المعترض ، سواء كان الإبطال ( صريحا ك ) قوله ( الرأس ممسوح ، فلا يجب استيعابه كالخف ) . ( فيقال ) أي فيقول المعترض ( فلا يتقدر ) مسح الرأس ( بالربع كالخف ) ففي هذا الاعتراض نفى مذهب المستدل صريحا ، ولم يثبت مذهبه لاحتمال أن يكون الحق في غير ذلك ، وهو الاستيعاب . كما هو قول أحمد ومالك رضي الله تعالى عنهما ( أو ) كان الإبطال ( لزوما ، ك ) قول الحنفي في ( بيع غائب ) مجهول ( عقد معاوضة ، فيصح مع جهل المعوض كالنكاح ) ( فيقال ) أي فيقول المعترض : إن كان الأمر كما ذكرت ( فلا يعتبر فيه خيار الرؤية كالنكاح ) فثبوت خيار الرؤية لازم لصحة بيع الغائب عندهم ، وحيث كان الأمر كذلك ( فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم . و ) من أنواع القلب ( قلب المساواة ) خلافا للباقلاني والسمعاني ( ك ) قول المستدل ( الخل مائع طاهر مزيل ) أي للخبث ( كالماء ) . ( فيقال ) أي فيقول له المعترض : حيث كان كالماء ف ( يستوي فيه الحدث والخبث كالماء ) ومن ذلك قياس الحنفية طلاق المكره على طلاق المختار . فيقال لهم : فيجب استواء حكم إيقاعه وإقراره . كالمختار ( ومنه ) أي ومن القلب نوع آخر ، وهو ( جعل معلول علة وعكسه ) وهو جعل علة معلولا .

قال في التمهيد : القلب ثلاثة أنواع . الأول : الحكم بحكم مقصود غير حكم المعلل . والثاني : قلب [ ص: 571 ] التسوية ، والثالث : يصح أن يجعل المعلول علة ، والعلة معلولا ( ولا يفسدها ) يعني أن جعل المعلول علة والعلة معلولا لا يفسد العلة ، بمعنى أنه لا يمنع الاحتجاج بها ، وذلك ( ك ) قول أصحابنا في ظهار الذمي ( من صح طلاقه صح ظهاره ) كالمسلم ( وعكسه ) أي ، ومن صح ظهاره صح طلاقه ( فالسابق ) منهما ( علة للتالي ) فيقول الحنفي : أجعل المعلول علة ، والعلة معلولا . وأقول : المسلم إنما صح طلاقه ; لأنه صح ظهاره . ومتى كان الظهار علة للطلاق لم يثبت ظهار الذمي بثبوت طلاقه .

وقال الحنفية وبعض المتكلمين : إن جعل المعلول علة وعكسه : مفسد للعلة . واستدل لعدم الإفساد : بأن علل الشرع أمارات على الأحكام بجعل جاعل ونصب ناصب ، وهو صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام ، وغير ممتنع أن يقول صاحب الشرع : من صح طلاقه فاعلموا أنه يصح ظهاره ومن صح ظهاره فاعلموا أنه يصح طلاقه ، فأيهما ثبت عنه صحة أحدهما حكمنا بصحة الآخر منه . واحتج المخالف بأن جعل كل منهما علة للآخر : يلزم منه أن يتوقف كل منهما على الآخر .

وأجيب بأن ذلك في العلة العقلية دون الشرعية ; لجواز ثبوت الحكم الشرعي بعلل متعددة ( وزيد ) أي وزاد بعضهم في صورة القلب ( قلب الدعوى ، مع إضمار الدليل فيها ) أي في الدعوى ( ككل موجود مرئي ) ، ( فيقال : كل ما ليس في جهة ليس مرئيا ، وكونه لا في جهة دليل منعها ) ، ( أو مع عدمه ) أي عدم إضمار الدليل ( كشكر المنعم واجب لذاته فيقلبه ) قال ابن مفلح : أما قلب الدعوى مع إضمار الدليل فيها ، فمثل " كل موجود مرئي " . فيقال : كل ما ليس في جهة ليس مرئيا فدليل الرؤية الوجود ، وكونه لا في جهة دليل منعها ومع عدم إضماره ، مثل : شكر المنعم واجب لذاته فيقلبه . فيقال : شكر المنعم ليس بواجب لذاته . انتهى .

( و ) زيد أيضا ( قلب الاستبعاد كالإلحاق ) أي إلحاق الولد في النسب ، ومن صور ذلك : لو ادعى اللقيط اثنان فأكثر بلا بينة ، ولم توجد قافة . وقلنا : إنه يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء ممن ادعاه فيعترض بأن يقال ( تحكيم الولد فيه ) أي في النسب ( تحكم بلا دليل ) . ( فيقال ) جوابا لذلك ( تحكيم القائف ) أيضا ( تحكم بلا دليل ) .

والضرب الثاني : من القلب هو ( قلب الدليل على وجه يكون ما ذكره المستدل يدل عليه لا له ) [ ص: 572 ] وقل أن يتفق لهذا مثال في الأقيسة ، وأما مثاله من المنصوص ف ( ك ) قول المستدل لتوريث ذوي الأرحام في توريث الخال بقوله صلى الله عليه وسلم ( { الخال وارث من لا وارث له } فيقال ) أي فيقول المعترض : هذا الدليل يدل عليك لا لك . فإنه ( يدل على أنه لا يرث بطريق أبلغ ; لأنه نفي عام ، ك ) ما يقال ( الجوع زاد من لا زاد له ) والصبر حيلة من لا حيلة له ، وليس الجوع زادا ، ولا الصبر حيلة . قال ابن حمدان وغيره : وقوله { وارث من لا وارث له } ينفي إرثه فإن أراد نفي كل وارث سوى الخال : بطل بإرث الزوج والزوجة ، وإن أراد نفي كل وارث عصبة : فلا فائدة في تخصيص الخال بالذكر ، دون بقية ذوي الأرحام ويشبه فساد الوضع . انتهى . قال ابن مفلح : وليس بمثال جيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية