صفحة جزء
( والاستقراء بالجزئي على الكلي ) الذي هو أحد أصناف الاستدلال نوعان . أحدهما : استقراء تام . وهو ما أشير إليه بقوله ( إن كان ) أي الاستقراء ( تاما ) أي بالكلي ( إلا صورة النزاع ، ف ) هو ( قطعي ) عند الأكثر ، وحد هذا : بأنه إثبات حكم في جزئي لثبوته في الكلي نحو : كل جسم متحيز . فإنا استقرأنا جميع جزئيات الجسم فوجدناها منحصرة في الجماد والنبات والحيوان ، وكل من ذلك متحيز فقد أفاد هذا الاستقراء الحكم يقينا في كلي ، وهو الجسم الذي هو مشترك بين الجزئيات . فكل جزئي من ذلك الكلي يحكم عليه بما حكم به على الكلي ، إلا صورة النزاع . فيستدل بذلك على صورة النزاع ، وهو مفيد للقطع ، فإن القياس المنطقي مفيد للقطع عند الأكثر .

النوع الثاني : استقراء ناقص ، وهو ما أشير إليه بقوله ( أو ) إن كان ( ناقصا ) أي بأن يكون الاستقراء ( بأكثر الجزئيات ) لإثبات الحكم الكلي المشترك بين جميع الجزئيات ، بشرط أن لا تتبين العلة المؤثرة في الحكم ( ويسمى ) هذا عند الفقهاء ( إلحاق الفرد بالأعم الأغلب ، ف ) هو ( ظني ) ويختلف فيه الظن باختلاف الجزئيات . فكلما كان الاستقراء في أكثر كان أقوى ظنا ( وكل ) من النوعين ( حجة ) أما الأول : فبالاتفاق ، وأما الثاني : فعند صاحب الحاصل والبيضاوي والهندي ، وبعض أصحابنا وغيرهم . كقول المستدل : الوتر يفعل راكبا فليس واجبا ، لاستقراء الواجبات : الأداء والقضاء [ ص: 594 ] من الصلوات الخمس فلم نر شيئا منها يفعل راكبا . والدليل على أنه يفيد الظن : أنا إذا وجدنا صورا كثيرة داخلة تحت نوع ، واشتركت في حكم ، ولم نر شيئا مما يعلم أنه منها : خرج عن ذلك الحكم ، أفادتنا تلك الكثرة قطعا عن ظن الحكم بعدم أداء الفرض راكبا في مثالنا هذا من صفات ذلك النوع ، وهو الصلاة الواجبة ، وإذا كان ذلك مفيدا للظن ، كان العمل به واجبا . ومن شواهد وجوب العمل بالظن : ما في الصحيح من حديث أم سلمة مرفوعا { إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم ، فإنما هي قطعة من النار ، فليأخذها أو ليتركها } ثم اعلم أن الاستدلال إما بالجزئي على الكلي ، وهو الاستقراء ، أو بالكلي على الجزئي ، وهو القياس ، أو بالجزئي على الجزئي ، وهو التمثيل ، أو بالكلي على الكلي ، وهو قياس أو تمثيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية