صفحة جزء
( ويحرم ) التقليد ( في معرفة الله سبحانه وتعالى ، و ) في ( التوحيد والرسالة ) عند أحمد والأكثر ، [ ص: 618 ] وذكره أبو الخطاب عن عامة العلماء ، وذكر غيره أنه قول الجمهور ، وأجازه جمع قال بعضهم : ولو بطريق فاسد . قال ابن مفلح : وأجازه بعض الشافعية لإجماع السلف على قبول الشهادتين ، من غير أن يقال لقائلهما : هل نظرت ؟ وسمعه ابن عقيل من أبي القاسم بن التبان المعتزلي ، وأنه يكفي بطريق فاسد . قال هذا المعتزلي : إذا عرف الله وصدق رسله ، وسكن قلبه إلى ذلك واطمأن به : فلا علينا من الطريق : تقليدا كان ، أو نظرا ، أو استدلالا وأطلق الحلواني وغيره - يعني من أصحابنا - منع التقليد في أصول الدين ، وقاله البصري والقرافي : في أصول الفقه أيضا . انتهى .

قال ابن قاضي الجبل في أصوله ، قال ابن عقيل : القياس النقلي حجة يجب العمل به ، ويجب النظر والاستدلال به بعد ورود الشرع . ولا يجوز التقليد . وقد نقل عن أحمد الاحتجاج بدلائل العقول ، وبهذا قال جماعة من الفقهاء المتكلمين من أهل الإثبات ، وذهبت المعتزلة إلى وجوب النظر ، والاستدلال قبل الشرع ولما ورد به الشرع كان توكيدا ، وذهب قوم من أهل الحديث ، وأهل الظاهر إلى أن حجج العقول باطلة ، والنظر حرام ، والتقليد واجب ، وقال أبو الخطاب : القياس العقلي والاستدلال : طريق لإثبات الأحكام العقلية . نص عليه الإمام أحمد وبه قال عامة الفقهاء . قلت : كلام أحمد في الاحتجاج بأدلة عقلية كثير ، وقد ذكر كثيرا في كتابه " الرد على الزنادقة والجهمية " فمذهب أحمد : القول بالقياس العقلي والشرعي . انتهى كلام ابن قاضي الجبل .

واستدل لتحريم التقليد - الذي هو الصحيح بأمره - سبحانه وتعالى - بالتدبر والتفكر والنظر وفي صحيح ابن حبان { لما نزل في آل عمران { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } - الآيات قال : ويل لمن قرأهن ولم يتدبرهن ، ويل له ويل له }

وبالإجماع على وجوب معرفة الله - سبحانه وتعالى - ولا تحصل بتقليد ، لجواز كذب المخبر ، واستحالة حصوله . كمن قلد في حدوث العالم ، وكمن قلد في قدمه ; ولأن التقليد لو أفاد علما : فإما بالضرورة وهو باطل . وإما بالنظر فيستلزم الدليل والأصل عدمه ، والعلم يحصل بالنظر ، واحتمال الخطإ لعدم تمام مراعاة القانون الصحيح ، [ ص: 619 ] ولأن الله سبحانه وتعالى ذم التقليد بقوله تعالى { إنا وجدنا آباءنا على أمة } وهي فيما يطلب العلم به فلا يلزم الفروع ، ولأنه يلزم الشارع ; لقوله سبحانه وتعالى { فاعلم أنه لا إله إلا الله } فيلزمنا لقوله تعالى { واتبعوه } .

التالي السابق


الخدمات العلمية